ثم قال: ائتوني بمالك. فلما جاءه قال: يا مالك! إنك أصبحت رئيس قومك، وهذا يوم له ما بعده، رد قومك إلى عليا بلادهم، والق الرجال على متون الخيل، فإنه لا ينفعك إلا رجل بسيفه وفرسه، فإن كانت لك لحق بك من ورائك، وإن كانت عليك، لا تكون فضحت في أهلك وعيالك.
فقال له مالك: إنك قد كبرت، وذهب علمك وعقلك، وعقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لواءه الأكبر، ودفعه إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، وكل من دخل مكة براية، أمره أن يحملها، وخرج بعد أن أقام بمكة خمسة عشر يوما، وبعث إلى صفوان بن أمية، فاستعار منه مائة درع، فقال صفوان: عارية أم غصب؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: عارية مضمونة، مؤداة. فأعاره صفوان مائة درع، وخرج معه، وخرج من مسلمة الفتح ألفا رجل. وكان عليه السلام دخل مكة في عشرة آلاف رجل، وخرج منها في اثني عشر ألفا.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من أصحابه فانتهى إلى مالك بن عوف، وهو يقول لقومه: ليصير كل رجل منكم أهله وماله خلف ظهره، واكسروا جفون سيوفكم، واكمنوا في شعاب هذا الوادي، وفي الشجر، فإذا كان في غبش الصبح (1)، فاحملوا حملة رجل واحد، فهدوا القوم، فإن محمدا لم يلق أحدا يحسن الحرب.
ولما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه الغداة، انحدر في وادي حنين، فخرجت عليهم كتائب هوازن من كل ناحية، وانهزمت بنو سليم، وكانوا على المقدمة، وانهزم ما وراءهم، وخلى الله تعالى بينهم وبين عدوهم لإعجابهم بكثرتهم، وبقي علي عليه السلام ومعه الراية يقاتلهم في نفر قليل. ومر المنهزمون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يلوون على شئ، وكان العباس بن عبد المطلب آخذا بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والفضل عن يمينه، وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب عن يساره، ونوفل بن الحرث، وربيعة بن الحرث، في تسعة من بني هاشم، وعاشرهم أيمن بن أم أيمن. وقتل يومئذ، وفي ذلك يقول العباس: