أي: قال إخوة يوسف (تالله لقد علمتم) أيها القوم (ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) قط، وإنما أضافوا العلم إليهم بذلك، مع أنهم لم يعلموه، لأن معنى هذا القول أنكم قد ظهر لكم من حسن سيرتنا ومعاملتنا معكم مرة بعد أخرى، ما تعلمون به، أنه ليس من شأننا السرقة. وقيل: إنهم قالوا ذلك لأنهم ردوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم، مخافة أن يكون قد وضع ذلك بغير إذن يوسف أي: فإذا كنا تحرجنا عن هذا، فقد علمتم أنا لا نسرق، لأن من رد ما وجد، لا يكون سارقا، عن الكلبي. وقيل: إنهم لما دخلوا مصر، وجدوهم قد شدوا أفواه دوابهم، كي لا تتناول الحرث والزرع. وفي هذا دلالة على أن ما فعله إخوة يوسف به، إنما كان في حال الصغر، وعدم كمال العقل، لنفيهم عن أنفسهم الفساد الذي هو ضد الصلاح.
(قالوا فما جزاؤه) أي: قال الذين نادوهم: فما جزاء السرق (إن كنتم كاذبين) في قولكم إنا لم نسرق، وظهرت السرقة؟ وقيل: معناه فما جزاء من سرق (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) أي: قال إخوة يوسف جزاء السرق السارق، وهو الانسان الذي وجد المسروق في رحله. وقد بينا تقديره فيما قبل ومعناه: إن السنة في بني إسرائيل، وعند الملك، كان استرقاق السارق، عن الحسن، والسدي، وابن إسحاق، والجبائي. وكان يسترق سنة. وقيل: كان حكم السارق في آل يعقوب أن يستخدم ويسترق على قدر سرقته. وفي دين الملك الضرب والضمان، عن الضحاك. وقيل: إن يوسف سألهم ما جزاء السارق عندكم؟ فقالوا:
أن يؤخذ بسرقته (كذلك نجزي الظالمين) أي: مثل ما ذكرنا من الجزاء نجزي السارقين يعني: إذا سرق واسترق. وقيل: إن ذلك جواب يوسف عليه السلام لقول إخوته: إن جزاء السارق استرقاقه.
(فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه) أي: بدأ يوسف في التفتيش بأوعيتهم لإزالة التهمة (ثم استخرجها) يعني السقاية (من وعاء أخيه) وإنما بدأ بأوعيتهم، لأنه لو بدأ بوعاء أخيه. لعلموا أنه هو الذي جعلها فيه. وإنما قال: استخرجها لأنه أراد به السقاية، وحيث قال: (ولمن جاء به) أراد به الصاع. وقيل: إن الصاع يذكر ويؤنث، قالوا: فأقبلوا على ابن يامين، وقالوا له: فضحتنا، وسودت وجوهنا، متى أخذت هذا الصاع؟ فقال: وضع هذا الصاع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم (كذلك كدنا ليوسف) أي: مثل ذلك الكيد أمرنا يوسف ليكيد بما يتهيأ له