ولي من عزم على الفرار عن نصرة نبيه، عليه وآله السلام، ويقوي ذلك قول كعب بن زهير:
فكم فيهم من فارس متوسع، ومن فاعل للخير إن هم، أو عزم ففرق بين الهم والعزم. ومنها: أن يكون بمعنى المقاربة. قالوا: هم فلان أن يفعل كذا أي: كاد يفعله. قال ذو الرمة:
أقول لمسعود بجرعاء مالك، وقد هم دمعي أن تلج أوائله والدمع لا يجوز عليه العزم. ومعناه: كاد وقارب. وقال أبو الأسود الدئلي:
وكنت متى تهمم يمينك مرة لنفعل خيرا تقتفيها شمالكا وعلى هذا جاء قوله (جدارا يريد أن ينقض) أي: يكاد. وقال الحارثي:
يريد الرمح صدر أبي براء ويرغب عن دماء بني عقيل ومنها: الشهوة ونيل الطباع يقول القائل فيما يشتهيه، ويميل طبعه إليه: هذا أهم الأشياء إلي، وفي ضده ليس هذا من همي. وإذا كانت معاني الهم في اللغة مختلفة يجب أن ننفي عن نبي الله يوسف عليه السلام، ما لا يليق به، وهو العزم على القبيح، لأن الدليل قد دل على أن الأنبياء لا يجوز المعاصي والقبائح عليهم وأجزنا عليهم ما سواه من معاني الهم، لأن كل واحد من ذلك يليق بحاله.
المعنى: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) اختلف العلماء فيه على قولين أحدهما: إنه لم يوجد من يوسف ذنب كبير، ولا صغير والآخر: إنه وجد منه العزم على القبيح، ثم انصرف عنه. فأما الأولون فإنهم اختلفوا في تأويل الآية على وجوه: أحدها: ان الهم في ظاهر الآية قد تعلق بما لا يصح تعلق العزم به على الحقيقة، لأنه قال. (ولقد همت به وهم بها) فعلق الهم بهما وذاتاهما لا يجوز أن يرادا، ويعزم عليهما، لأن الموجود الباقي لا يصح أن يراد ويعزم عليه، فإذا حملنا الهم في الآية على العزم، فلا بد من تقدير أمر محذوف، يتعلق العزم به. وقد أمكن أن نعلق عزمه عليه السلام بغير القبيح، ونجعله متناولا لضربها، أو دفعها عن نفسه، فكأنه قال: ولقد همت بالفاحشة منه، وأرادت ذلك، وهم يوسف عليه السلام بضربها، ودفعها عن نفسه، كما يقال: هممت بفلان أي: بضربه، وإيقاع مكروه به. وعلى هذا