روي هذا التأويل عن الحسن قال: أما همها فكان أخبث الهم. وأما همه: فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء. وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال: همها القصد، وهمه أنه تمناها أن تكون زوجة له. وعلى هذا الوجه فيجب أن يكون قوله (لولا أن رأى برهان ربه) متعلقا بمحذوف أيضا، كأنه قال: لولا أن رأى برهان ربه، لعزم أو فعل.
(سؤال) قالوا: إن قوله (ولقد همت به وهم بها) خرجا مخرجا واحدا، فلم جعلتم همها به متعلقا بالقبيح، وهمه بها متعلقا بغير القبيح؟ وجوابه: ان الظاهر لا يدل على ما تعلق به الهم فيهما جميعا، وإنما أثبتنا همها به متعلقا بالقبيح، لشهادة القرآن والآثار به، ولأنها ممن يجوز عليه فعل القبيح. والشاهد لذلك من الكتاب قوله: (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) وقوله: (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين) وقوله حكاية عنها: (الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) والشاهد من الآثار: اجماع المفسرين على أنها همت بالمعصية والفاحشة.
وأما يوسف عليه السلام: فقد دلت الأدلة العقلية التي لا يتطرق إليها الاحتمال والمجاز، على أنه لا يجوز أن يفعل القبيح، ولا يعزم عليه. فأما الشاهد من القرآن على أنه ما هم بالفاحشة، فقوله سبحانه: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) وقوله (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) وغير ذلك من قوله: قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء) والعزم على الفاحشة من أكبر السوء. وأما الفرقة الأخرى فإنهم قالوا فيه ما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء، فقال بعضهم: إنه قعد بين رجليها، وحل تكة سراويله، وقال بعضهم: حل السراويل حتى بلغ الثنن، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته، وقد نزهه الله سبحانه عن ذلك كله بقوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) وأمثال ذلك مما عددناه.
فأما البرهان الذي رآه فقد اختلف فيه على وجوه أحدها: إنه حجة الله سبحانه في تحريم الزنا، والعلم بالعذاب الذي يستحقه الزاني، عن محمد بن كعب، والجبائي وثانيها: انه ما آتاه الله سبحانه من آداب الأنبياء، وأخلاق الأصفياء، في العفاف، وصيانة النفس عن الأدناس، عن أبي مسلم وثالثها: إنه النبوة المانعة من