فيكون معنى رؤية البرهان: إن الله سبحانه أراده برهانا على أنه إن أقدم على ما هم به، أهلكه أهلها، أو قتلوه، أو ادعت عليه المراودة على القبيح، وقذفته بأنه دعاها إليه، وضربها لامتناعها منه، فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء والفحشاء، اللذين هما القتل، وظن اقتراف الفاحشة به. ويكون التقدير لولا أن رأى برهان ربه، لفعل ذلك. ويكون جواب (لولا) محذوف كما حذف فيه قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وان الله رؤوف رحيم). وقوله: (كلا لو تعلمون علم اليقين) أي:
لولا فضل الله لهلكتم، ولو تعلمون علم اليقين لم يلهكم التكاثر. ومثله قول امرئ القيس:
ولو أنها نفس تموت سوية، ولكنها نفس تساقط أنفسا (1) يريد: فلو أنها نفس تموت سوية لنقضت وفنيت، فحذف الجواب تعويلا على أن الكلام يقتضيه. وعلى هذا يكون جواب (لولا) محذوف يدل عليه قوله (وهم بها) ولا يجوز أن يكون قوله (وهم بها) جوابا للولا، لأن جواب لولا لا يتقدم عليه وثانيها: أن يحمل الكلام على التقديم والتأخير، ويكون التقدير: ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. ولما رأى برهان ربه لم يهم بها. ويجري ذلك مجرى قولهم: قد كنت هلكت لولا أني تداركتك. وقد كنت قلت لولا أني خلصتك. والمعنى لولا تداركي لهلكت، ولولا تخليصي إياك لقتلت، وإن كان لم يقع هلاك وقتل، ومثله قول الشاعر:
فلا يدعني قومي ليوم كريهة لئن لم أعجل ضربة، أو أعجل وقال آخر:
فلا يدعني قومي صريحا لحرة لئن كنت مقتولا، ويسلم عامر (2) وفي القرآن: (إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) وهذا الوجه اختاره أبو مسلم، وهو قريب من الأول وثالثها: ان معنى قوله (هم بها) اشتهاها، ومال طبعه إلى ما دعته إليه. وقد يجوز أن تسمى الشهوة هما على سبيل التوسع والمجاز، ولا قبح في الشهوة، لأنها من فعل الله تعالى، وإنما يتعلق القبح بالمشتهي. وقد