الأنبياء. وقال مجاهد، وقتادة: أوحى الله إليه، ونبأه وهو في الجب. وكان فيما أوحى إليه: أن أكتم حالك، واصبر على ما أصابك، فإنك ستخبر إخوتك بما فعلوا بك في وقت لا يعرفونك. وقيل: يريد: وهم لا يشعرون بأنه أوحي إليه. وقيل:
إن معنى قوله (لتنبئنهم) لتجازينهم على فعلهم. تقول العرب للرجل، يتوعده بمجازاة سوء فعله: لأنبئنك، ولأعرفنك أي: لأجازينك. وقيل أراد بذلك أنهم لما دخلوا مصر، عرفهم يوسف، وهم له منكرون، فأخذ الصاع ونقره، فطن (1).
فقال: إن هذا الجام ليخبرني أنه كان لكم أخ من أبيكم ألقيتموه في الجب، وبعتموه بثمن بخس، فهذا معنى قوله (لتنبئنهم بأمرهم) هذا عن ابن عباس.
ثم بين سبحانه حالهم حين رجعوا إلى أبيهم، فقال: (وجاؤوا أباهم) يعني وانقلب إخوة يوسف إلى أبيهم (عشاء) أي: ليلا، أو في آخر النهار، ليلبسوا على أبيهم، وليكونوا أجرأ على الاعتذار (يبكون) وإنما أظهروا البكاء ليوهموا أنهم صادقون. وفي هذا دلالة على أن البكاء لا يوجب صدق دعوى الباكي في دعواه.
قال السدي: لما سمع بكاءهم، فزع فقال: ما بالكم؟ (قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق) أي: نشتد ونعدو على الأقدام، لننظر أينا أعدى وأسبق لصاحبه، عن الجبائي، والسدي. وقيل: معناه ننتصل ونترامى، فننظر أي السهام أسبق إلى الغرض، عن الزجاج. وفي قراءة عبد الله: ننتصل (وتركنا يوسف عند متاعنا) أي: تركناه عند الرحل ليحفظه (فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا) أي: ما أنت بمصدق لنا (ولو كنا صادقين) جواب (لو) محذوف أي: ولو كنا صادقين ما صدقتنا لاتهامك لنا في أمر يوسف، ودل الكلام عليه. ولم يصفوه بأنه لا يصدق الصادق، لأن المعنى لا يصدقهم لاتهامه لهم، وسوء ظنه بهم، لما ظهر له من إمارات حسدهم ليوسف، وشدة محبته ليوسف.
(وجاءوا على قميصه بدم كذب) معناه: إن إخوة يوسف جاؤوا أباهم ومعهم قميص يوسف ملطخا بدم، فقالوا له: هذا دم يوسف حين أكله الذئب. وقيل: إنهم ذبحوا سخلة، وجعلوا دمها على قميصه، عن ابن عباس، ومجاهد. وقيل: ظبيا، ولم يمزقوا ثوبه، ولم يخطر ببالهم أن الذئب إذا أكل إنسانا، فإنه يمزق ثوبه.