فأما ما نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام، ورواه عنه الخاص والعام، من الإخبار بالغائبات في خطب الملاحم وغيرها، مثل قوله. يومئ به إلى صاحب الزنج: كأني به يا أحنف وقد سار بالجيش الذي ليس له غبار، ولا لجب، ولا قعقعة لجم، ولا صهيل خيل، يثيرون الأرض بأقدامهم، كأنها أقدام النعام. وقوله يشير إلى مروان:
أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة منه ومن ولده موتا أحمر. وما نقل من هذا الفن عن أئمة الهدى عليهم السلام، من أولاده مثل ما قاله أبو عبد الله عليه السلام لعبد الله بن الحسن، وقد اجتمع هو وجماعة من العلوية والعباسية، ليبايعوا ابنه محمدا: والله ما هي إليك، ولا إلى ابنيك، ولكنها لهم - وأشار إلى العباسية - وإن ابنيك لمقتولان. ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري، فقال له: أرأيت صاحب الرداء الأصفر - يعني أبا جعفر المنصور - قال:
نعم. فقال: إنا والله نجده يقتله! فكان كما قال. ومثل قول الرضا عليه السلام: بورك قبر بطوس، وقبران ببغداد! فقيل له: قد عرفنا واحدا فما الآخر؟ فقال: ستعرفونه. ثم قال: قبري وقبر هارون هكذا - وضم إصبعيه - وقوله في القصة المشهورة لأبي حبيب النباحي، وقد ناوله قبضة من التمر: لو زادك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لزدناك! وقوله في حديث علي بن أحمد الوشا، حين قدم (مرو) من (الكوفة): معك حلة في السفط الفلاني، دفعتها إليك ابنتك، وقالت اشتر لي بثمنها فيروز. والحديث مشهور. إلى غير ذلك مما روي عنهم عليهم السلام، فإن جميع ذلك متلقى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مما أطلعه الله عليه، فلا معنى لنسبة من روى عنهم هذه الأخبار المشهورة إلى أنه يعتقد كونهم عالمين للغيب. وهل هذا إلا سبب قبيح، وتضليل لهم، بل تكفير لا يرتضيه من هو بالمذاهب خبير، والله يحكم بينه وبينهم، وإليه المصير.
(وإليه يرجع الأمر كله) أي: إلى حكمه يرجع في المعاد كل الأمور، لأن في الدنيا قد يملك غيره بعض الأمر والنهي، والنفع والضر. (فاعبده وتوكل عليه) يريد أن من له ملك السماوات والأرض، وإليه يرجع جميع الأمور، فحقيق أن يعبد ويتذلل له، ويتوكل عليه، ويوثق به (وما ربك بغافل) أي: بساه (عما تعملون) أي: عن أعمال عباده، بل هو عالم بها، ومجاز كلا منهم عليها ما يستحقه من ثواب وعقاب، فلا يحزنك يا محمد إعراضهم عنك، وتركهم القبول منك. وروي عن كعب الأحبار أنه قال: خاتمة التوراة خاتمة هود.