أي: ما نقوي به قلبك، ونطيب به نفسك، ونزيدك به ثباتا على ما أنت عليه من الإنذار، والصبر على أذى قومك الكفار (وجاءك في هذه الحق) أي: في هذه السورة، عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد. وقيل: في هذه الدنيا، عن قتادة.
وقيل: في هذا الأنباء، عن الجبائي. والحق: الصدق من الأنباء، والوعد، والوعيد. وقيل. معناه وجاءك في ذكر هذه الآيات التي ذكرت قبل هذا الموضع الحق في أن الخلق يجازون بانصبائهم في قوله: (وإنا لموفوهم نصيبهم) وإن كلا لما ليوفينهم. وقد جاء في القرآن كله الحق، ولكنه ذكرها هنا توكيدا، وليس إذا قيل:
قد جاءك في هذا الحق، وجب أن يكون لم يأتك الحق إلا فيه. ولكن بعض الحق أوكد من بعض، عن الزجاج. (وموعظة) أي: وجاءك موعظة تعظ الجاهلين بالله، وتزجر الناس عن المعاصي (وذكرى للمؤمنين) تذكرهم الآخرة (وقل) يا محمد (للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم) هذا مثل فوله (اعملوا ما شئتم). (إنا عاملون) على ما أمرنا الله تعالى به. وقد مر تفسير هذه الآية فيما مضى (وانتظروا) أي: توقعوا ما يعدكم ربكم على الكفر من العقاب (إنا منتظرون) ما يعدنا على الإيمان من الثواب. وقيل: انتظروا ما يعدكم الشيطان من الغرور، إنا منتظرون ما يعدنا ربنا من النصر والعلو، عن ابن جريج.
(ولله غيب السماوات والأرض) معناه: ولله علم ما غاب في السماوات والأرض، لا يخفى عليه شئ منه، عن الضحاك. وقيل: معناه والله مالك ما غاب في السماوات والأرض. وقيل: معناه ولله خزائن السماوات والأرض، عن ابن عباس. ووجدت بعض المشايخ، ممن يتسم بالعدوان والتشنيع، قد ظلم الشيعة الإمامية في هذا الموضع من تفسيره، فقال: هذا يدل على أن الله سبحانه يختص بعلم الغيب، خلافا لما تقول الرافضة: إن الأئمة يعلمون الغيب! ولا شك أنه عنى بذلك من يقول بإمامة الاثني عشر، ويدين بأنهم أفضل الأنام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن هذا دأبه وديدنه فيهم، يشنع في مواضع كثيرة من كتابه عليهم، وينسب الفضائح والقبائح إليهم، ولا نعلم أحدا منهم استجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق، فإنما يستحق الوصف بذلك من يعلم جميع المعلومات، لا بعلم مستفاد. وهذه صفة القديم سبحانه، العالم لذاته، لا يشركه فيها أحد من المخلوقين. ومن اعتقد أن غير الله سبحانه يشركه في هذه الصفة فهو خارج عن ملة الاسلام.