ضعفهم وقلة عددهم، حثا لهم على الانقطاع إليه، ومفارقة الأهلين والأقربين في طاعته.
وورد عن الصادقين عليهم السلام أنهم قالوا: كانت المواطن ثمانين موطنا. وروي أن المتوكل اشتكى شكاية شديدة، فنذر أن يتصدق بمال كثير إن شفاه الله، فلما عوفي سأل العلماء عن حد المال الكثير، فاختلفت أقوالهم، فأشير عليه أن يسأل أبا الحسن، علي بن محمد بن علي بن موسى عليه السلام، وقد كان حبسه (1) في داره، فأمر أن يكتب إليه، فكتب يتصدق بثمانين درهما، ثم سألوه عن العلة في ذلك، فقرأ هذه الآية، وقال: عددنا تلك المواطن فبلغت ثمانين موطنا.
(ويوم حنين) أي: وفي يوم حنين (إذ أعجبتكم كثرتكم) أي: سرتكم، وصرتم معجبين بكثرتكم. قال قتادة: وكان سبب انهزام المسلمين يوم حنين، ان بعضهم قال حين رأى كثرة المسلمين: لن نغلب اليوم عن قلة! فانهزموا بعد ساعة، وكانوا اثني عشر ألفا. وقيل: إنهم كانوا عشرة آلاف. وقيل: ثمانية آلاف. والأول أصح وأكثر في الرواية (فلم تغن عنكم شيئا) أي: فلم يدفع عنكم كثرتكم سوءا، (وضاقت عليكم الأرض بما رحبت) أي: برحبتها. والباء بمعنى مع، والمعنى:
ضاقت عليكم الأرض مع سعتها، كما يقال اخرج بنا إلى موضع كذا أي: معنا، والمراد: لم تجدوا من الأرض موضعا للفرار إليه، (ثم وليتم مدبرين) أي: وليتم عن عدوكم منهزمين، وتقديره وليتموهم أدباركم، وانهزمتم (ثم أنزل الله سكينته) أي: رحمته التي تسكن إليها النفس، ويزول معها الخوف (على رسوله وعلى المؤمنين) حين رجعوا إليهم وقاتلوهم. وقيل: على المؤمنين الذين ثبتوا مع رسول الله، علي والعباس في نفر من بني هاشم، عن الضحاك بن مزاحم. وروى الحسن بن علي بن فضال: عن أبي الحسن الرضا أنه قال: السكينة ريح من الجنة تخرج طيبة، لها صورة كصورة وجه الانسان، فتكون مع الأنبياء. أورده العياشي مسندا.
(وأنزل جنودا لم تروها) أراد به جنودا من الملائكة. وقيل: إن الملائكة نزلوا يوم حنين بتقوية قلوب المؤمنين وتشجيعهم، ولم يباشروا القتال يومئذ، ولم