(سقاية الحاج وعمارة المسجد) إلى هذا، إنما هرب من أن يقابل الحدث بالجواهر، وذلك أن من آمن جوهر وسقاية وعمارة مصدران، فلا بد إذن من حذف المضاف، أي: أجعلتم هذين الفعلين كفعل من آمن بالله، فلما رأى أنه لا بد من حذف المضاف قرأ: سقاة وعمرة، على ما مضى.
اللغة: السقاية: آلة تتخذ لسقي الماء. والسقاية: مصدر كالسقي أيضا.
وقيل: إنهم كانوا يسقون الحجيج الماء والشراب، وبيت البئر سقاية أيضا.
والبشارة: الدلالة على ما يظهر به السرور في بشرة الوجه، كما يقال بشرته، أبشره، بشرى. ورضوان: هو معنى يستحق بالإحسان، ويدعو إلى الحمد على ما كان، ويضاد سخط العصيان. والنعيم: مشتق من النعمة، وهي اللين. فأما النعمة:
بكسر النون، فهي منفعة يستحق بها الشكر، لأنها كنعمة العيش. وأبدا: للزمان المستقبل من غير آخر، كما أن قط للماضي. يقال: ما رأيته قط، ولا أراه أبدا، وجمع الأبد: آباد، وأبود. يقال: لا أفعل ذلك أبد الأبيد، وأبد الآبدين. وتأبد المنزل: أتى عليه. والأوابد: الوحش، سميت بذلك لطول أعمارها. وقيل: لم يمت وحشي حتف أنفه، وإنما يموت بآفة والآبدة: الداهية.
النزول: قيل: إنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام، والعباس بن عبد المطلب، وطلحة بن شيبة، وذلك أنهم افتخروا فقال طلحة: أنا صاحب البيت، وبيدي مفتاحه، ولو أشاء بت فيه. وقال العباس: أنا صاحب السقاية، والقائم عليها، وقال علي عليه السلام: ما أدري ما تقولان، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد، عن الحسن، والشعبي، ومحمد بن كعب القرظي.
وقيل: إن عليا عليه السلام قال للعباس: يا عم! ألا تهاجر، وألا تلحق برسول الله؟
فقال: ألست في أفضل من الهجرة أعمر المسجد الحرام، وأسقي حاج بيت الله؟
فنزلت: (أجعلتم سقاية الحاج) عن ابن سيرين، ومرة الهمداني.
وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني: بإسناده عن ابن بريدة، عن أبيه، قال:
بينا شيبة والعباس يتفاخران، إذا مر بهما علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: بماذا تتفاخران؟ فقال العباس: لقد أوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد: سقاية الحاج.
وقال شيبة: أوتيت عمارة المسجد الحرام. فقال علي عليه السلام، استحييت لكما، فقد أوتيت على صغري ما لم تؤتيا! فقالا: وما أوتيت يا علي؟ قال: ضربت خراطيمكما