فالتفت إلي، وضرب في صدري، وقال: أعيذك بالله يا شيبة! فأرعدت فرائصي، فنظرت إليه وهو أحب إلي من سمعي وبصري، فقلت: أشهد أنك رسول الله، وأن الله أطلعك على ما في نفسي.
وقسم رسول الله الغنائم بالجعرانة وكان معه من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء، ومن الإبل والشاء ما لا يدري عدته. قال أبو سعيد الخدري:
قسم رسول الله للمتألفين من قريش من سائر العرب ما قسم، ولم يكن في الأنصار منها شئ قليل ولا كثير، فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله، فقال: يا رسول الله: إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في قسمك هذه الغنائم في قومك، وفي سائر العرب، ولم يكن فيهم من ذلك شئ! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ فقال: ما أنا إلا امرؤ من قومي. فقال رسول الله: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة. فجمعهم، فخرج رسول الله، فقام فيهم خطيبا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
يا معشر الأنصار! أو لم آتكم ضلالا فهداكم الله، وعالة. فأغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. ثم قال: الا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ فقالوا: وما نقول؟ وبماذا نجيبك؟ المن لله ولرسوله. فقال رسول الله:
أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم: جئتنا طريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك، وخائفا فآمناك، ومخذولا فنصرناك. فقالوا: المن لله ولرسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
وجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة (1) من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الاسلام، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفسي بيده! لو أن الناس سلكوا شعبا، وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار.
ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار. اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار.
فبكى القوم حتى اخضلت لحاهم، وقالوا: رضينا بالله ورسوله قسما. ثم تفرقوا. وقال أنس بن مالك: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر مناديا، فنادى يوم أوطاس: