فصدوا عن سبيله) ومعناه: أعرضوا عن دين الله، وصدوا الناس عنه بشئ يسير نالوه من الدنيا، وأصل الاشتراء: استبدال ما كان من المتاع بالثمن، ونقيضه البيع: وهو العقد على تسليم المتاع بالثمن. ومعنى الفاء هنا أن اشتراءهم هذا أداهم إلى الصد عن الاسلام، وهذا ورد في قوم من العرب جمعهم أبو سفيان على طعامه ليستميلهم على عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن مجاهد. وقيل: ورد في اليهود الذين كانوا يأخذون الرشا من العوام على الحكم بالباطل، عن الجبائي. (إنهم ساء ما كانوا يعملون) أي: بئس العمل عملهم. (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) سبق معناه. والفائدة في الإعادة أن الأول في صفة الناقضين للعهد، والثاني في صفة الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا. وقيل: إنما كرر تأكيدا.
(وأولئك هم المعتدون) أي: المجاوزون الحد في الكفر والطغيان. (فإن تابوا) أي: ندموا على ما كان منهم من الشرك، وعزموا على ترك العود إليه، وقبلوا الاسلام، (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) أي: قبلوهما وأدوهما عند لزومهما، (فإخوانكم في الدين) أي: فهم إخوانكم في الدين، فعاملوهم معاملة إخوانكم من المؤمنين. (ونفصل الآيات) أي: نبينها، ونميزها بخاصة لكل واحدة منها تتميز بها من غيرها، حتى يظهر مدلولها على أتم ما يكون من الظهور فيها (لقوم يعلمون) ذلك، ويتبينونه دون الجهال الذين لا يتفكرون.
(وإن نكثوا) أي: نقضوا (أيمانهم) أي: عهودهم، وما حلفوا عليه (من بعد عهدهم) أي: من بعد أن عقدوه (وطعنوا في دينكم) أي: عابوه، وقدحوا فيه (فقاتلوا أئمة الكفر) أي: رؤساء الكفر والضلالة، وخصهم بالأمر بقتالهم، لأنهم يضلون أتباعهم. قال الحسن: وأراد به جماعة الكفار، وكل كافر إمام لنفسه في الكفر، ولغيره في الدعاء إليه. وقال ابن عباس، وقتادة: أراد به رؤساء قريش مثل الحرث بن هشام، وأبي سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد، وكان حذيفة بن اليمان يقول: لم يأت أهل هذه الآية بعد. وقال مجاهد: هم أهل فارس والروم. وقرأ علي عليه السلام، هذه الآية يوم البصرة، ثم قال: أما والله! لقد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال لي: يا علي لتقاتلن الفئة الناكثة، والفئة الباغية، والفئة المارقة! (إنهم لا أيمان لهم) من قرأ بفتح الهمزة فمعناه أنهم لا يحفظون العهد واليمين، كما يقال: فلان لا عهد له،