نصرنا رسول الله في الحرب تسعة، وقد فر من قد فر عنه فاقشعوا (1) وقولي إذا ما الفضل كر بسيفه على القوم أخرى يا بني ليرجعوا (2) وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه لما ناله في الله لا يتوجع (3) ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هزيمة القوم عنه، قال للعباس، وكان جهوريا صيتا: اصعد هذا الظرب (4) فناد: يا معشر المهاجرين والأنصار! يا أصحاب سورة البقرة! يا أهل بيعة الشجرة! إلى أين تفرون؟ هذا رسول الله. فلما سمع المسلمون صوت العباس، تراجعوا وقالوا: لبيك لبيك. وتبادر الأنصار خاصة، وقاتلوا المشركين حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الآن حمي الوطيس (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) ونزل النصر من عند الله تعالى، وانهزمت هوازن هزيمة قبيحة، فمروا في كل وجه ولم يزل المسلمون في آثارهم.
ومر مالك بن عوف، فدخل حصن الطائف، وقتل منهم زهاء مائة رجل، وأغنم الله المسلمين أموالهم ونساءهم، وأمر رسول الله بالذراري والأموال أن تحدر إلى الجعرانة، وولى على الغنائم بديل بن ورقاء الخزاعي، ومضى صلى الله عليه وآله وسلم في أثر القوم، فوافى الطائف في طلب مالك بن عوف، فحاصر أهل الطائف بقية الشهر.
فلما دخل ذو القعدة انصرف، وأتى الجعرانة، وقسم بها غنائم حنين وأوطاس.
قال سعيد بن المسيب: حدثني رجل كان في المشركين، يوم حنين، قال:
لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله، لم يقفوا لنا حلب شاة، فلما كشفناهم، جعلنا نسوقهم حتى إذ انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء، يعني رسول الله، فتلقانا رجال بيض الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا. فرجعنا، وركبوا أكتافنا فكانوا إياها - يعني الملائكة - قال الزهري: وبلغني أن شيبة بن عثمان قال:
استدبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين، وأنا أريد أن اقتله بطلحة بن عثمان، وعثمان بن طلحة، وكانا قد قتلا يوم أحد، فأطلع الله رسوله على ما في نفسي،