الآية القولان الأولان (إنه عمل غير صالح) قد ذكرنا الوجه في القراءتين، واختار المرتضى (رض) في تأويله: ان التقدير أن ابنك ذو عمل غير صالح، واستشهد على ذلك بقول الخنساء:
ما أم سقب على بو تطيف به قد ساعدتها على التحنان أظئار (1) ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال، وإدبار (2) أرادت فإنما هي ذات إقبال وإدبار. قال: ومن قال إن المعني: إن سؤالك إياي ما ليس لك به علم، عمل غير صالح، فإن من امتنع من أن يقع على الأنبياء شئ من القبائح، يدفع ذلك. فإذا قيل له: فلم قال (فلا تسألن ما ليس لك به علم) وكيف قال نوح: (رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم) قال: لا يمتنع أن يكون نهي عن سؤال ما ليس لك به علم، وإن لم يقع منه، وأن يكون تعوذ من ذلك، وإن لم يوقعه، كما نهى الله سبحانه نبيه عن الشرك في قوله (لئن أشركت ليحبطن عملك) وإن لم يجز وقوع ذلك منه. وإنما سأل نوح عليه السلام نجاة ابنه بشرط المصلحة، لا على سبيل القطع. فلما بين الله تعالى أن المصلحة في غير نجاته، لم يكن ذلك خارجا عما تضمنه السؤال.
وقوله: (إني أعظك) أي: أحذرك، والوعظ: الدعاء إلى الحسن، والزجر عن القبيح، على وجه الترغيب والترهيب (أن تكون من الجاهلين) معناه: لا تكن منهم. قال الجبائي: يعني إني أعظك لئلا تكون من الجاهلين، ولا شك أن وعظه سبحانه يصرف عن الجهل، وينزه عن القبيح (قال) نوح عند ذلك: (رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم) أي: أعتصم بك أن أسألك ما لا أعلم أنه صواب، وأنك تفعله، ومعنى العياذ بالله: الاعتصام به طلبا للنجاة. ومعناه ههنا:
الخضوع والتذليل لله سبحانه، ليوفقه ولا يكله إلى نفسه. وإنما حذف (يا) من قوله (رب) وأثبته في قوله (يا نوح) لأن ذلك نداء تعظيم، وهذا نداء تنبيه. فوجب أن يأتي بحرف التنبيه (وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) إنما قال ذلك على