مبين) أي: ليس هذا القول إلا تمويه ظاهر، لا حقيقة له. ومن قرأ ساحر فالمراد:
ليس هذا - يعنون النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إلا ساحر. قال الجبائي: وفي الآية دلالة على أنه كان قبل خلق السماوات والأرض والملائكة، لأن خلق العرش على الماء، لا وجه لحسنه، إلا أن يكون فيه لطف لمكلف يمكنه الاستدلال به، فلا بد إذا من حي مكلف. وقال علي بن عيسى: لا يمتنع أن يكون في الإخبار بذلك مصلحة للمكلفين، فلا يجب ما قاله الجبائي، وهو الذي اختاره المرتضى، قدس الله روحه. (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) معناه: ولئن أخرنا عن هؤلاء الكفار عذاب الاستئصال إلى أجل مسمى، ووقت معلوم. والأمة: الحين، كما قال سبحانه (واذكر بعد أمة) وهو قول ابن عباس، ومجاهد. وقيل: إلى أمة أي إلى جماعة يتعاقبون، فيصرون على الكفر، ولا يكون فيهم من يؤمن، كما فعلنا بقوم نوح، عن علي بن عيسى. وقيل: معناه إلى أمة بعد هؤلاء، نكلفهم فيعصون، فتقتضي الحكمة إهلاكهم، وإقامة القيامة، عن الجبائي. وقيل: إن الأمة المعدودة هم أصحاب المهدي عليه السلام في آخر الزمان، ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، كعدة أهل بدر، يجتمعون في ساعة واحدة، كما يجتمع قزع الخريف، وهو المروي عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام (ليقولن) على وجه الاستهزاء (ما يحبسه) أي: أي شئ يؤخر هذا العذاب عنا إن كان حقا (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم) أي:
ان هذا العذاب الذي يستبطنونه إذا نزل بهم في الوقت المقدور، لا يقدر أحد على صرفه عنهم، إذا أراد الله أن يأتيهم به، ولا يتمكن من إذهابه عنهم، إذا أراد الله أن يأتيهم به (وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون) أي: ونزل بهم الذي كانوا يسخرون به من نزول العذاب، ويحققونه.
النظم: وجه اتصال الآية الأولى بما قبلها: إنه لما قال سبحانه (يعلم ما يسرون وما يعلنون) قال عقيبه: وكيف يخفى على الله سر هؤلاء، وهو يرزقهم، وإذا وصل إلى كل واحد رزقه، ولم ينسه فليعلم أنه يعلم سره. وقوله: (ويعلم مستقرها ومستودعها) يدل على ما ذكرنا، ثم زاده بيانا بقوله (وهو الذي خلق السماوات) الآية، فإن أصل الخلق التقدير الذي لا يختل بالنقصان والزيادة، وذلك لا يتم إلا من العالم لذاته.