وجوه أحدها: إن معناه: أحكمت آياته فلم ينسخ منها شئ، كما نسخت الكتب والشرائع، ثم فصلت ببيان الحلال والحرام، وسائر الأحكام، عن ابن عباس وثانيها: إن معناه أحكمت آياته بالأمر والنهي، ثم فصلت بالوعد والوعيد، والثواب والعقاب، عن الحسن، وأبي العالية وثالثها: أحكمت آياته جملة، ثم فرقت في الإنزال، آية بعد آية، ليكون المكلف أمكن من النظر والتدبر، عن مجاهد.
ورابعها: أحكمت في نظمها بأن جعلت على أبلغ وجوه الفصاحة، حتى صار معجزا، ثم فصلت بالشرع والبيان المفروض، فكأنه قيل: محكم النظم، مفصل الآيات، عن أبي مسلم. وخامسها: أتقنت آياته، فليس فيها خلل، ولا باطل، لأن الفعل المحكم ما قد أتقنه فاعله حتى لا يكون فيه خلل، ثم فصلت بأن جعلت متتابعة بعضها إثر بعض.
(من لدن حكيم) أي: إن هذا الكتاب أتاكم من عند حكيم في أحواله، وتدابيره (خبير) أي: عليم بأحوال خلقه ومصالحهم. وفي هذه الآية دلالة على أن كلام الله سبحانه، محدث، لأنه وصفه بأنه (أحكمت آياته، ثم فصلت) والإحكام من صفات الأفعال، وكذلك التفصيل ثم قال: (من لدن حكيم) وهذه الإضافة لا تصح الا في المحدث، لأن القديم يستحيل أن يكون صادرا من غيره. وقوله الا تعبدوا إلا الله معناه: أنزل هذا الكتاب ليأمركم (أن لا تعبدوا إلا الله) ولكي لا تعبدوا إلا الله، كما يقال كتبت إليك أن لا تخرج من الدار، وان لا تخرج بالنصب، والجزم (إنني لكم منه نذير وبشير) هذا إخبار من النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه مخوف من مخالفة الله وعصيانه، بأليم العقاب، مبشر على طاعة الله بجزيل الثواب (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) ومعناه: اطلبوا المغفرة، واجعلوها غرضكم، ثم توصلوا إليها بالتوبة. وقيل: معناه استغفروا ربكم من ذنوبكم، ثم توبوا إليه في المستأنف متى وقعت منكم المعصية، عن الجبائي. وقيل. إن (ثم) ههنا بمعنى الواو، عن الفراء. وهذا لأن الاستغفار والتوبة واحد، فتكون التوبة تأكيدا للاستغفار.
(يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى) يعني: إنكم متى استغفرتموه، وتبتم إليه، يمتعكم في الدنيا بالنعم السابغة في الخفض، والدعة، والأمن والسعة، إلى الوقت الذي قدر لكم أجل الموت فيه. وقال الزجاج: يريد يبقيكم ولا يستأصلكم بالعذاب، كما استأصل أهل القرى الذين كفروا (ويؤت كل ذي فضل فضله) قيل: