الأرض، ويدخل فيه جميع ما خلقه الله تعالى على وجه الأرض، من الجن والإنس، والطير والأنعام، والوحوش والهوام (إلا على الله رزقها) أي: إلا الله سبحانه يتكفل برزقها، ويوصله إليها على ما تقتضيه المصلحة، وتوجبه الحكمة (ويعلم مستقرها ومستودعها) أي: يعلم موضع قرارها، والموضع الذي أودعها فيه، وهو أصلاب الآباء، وأرحام الأمهات، عن مجاهد. وقيل: مستقرها حيث تأوي إليه من الأرض، ومستودعها حيث تموت وتبعث منه، عن ابن عباس، والربيع. وقيل:
مستقرها ما يستقر عليه عملها. ومستودعها ما يصير إليه.
(كل في كتاب مبين) هنا إخبار منه سبحانه أن جميع ذلك مكتوب في كتاب ظاهر، وهو اللوح المحفوظ، وإنما أثبت سبحانه ذلك مع أنه عالم لذاته، لا يعزب عن علمه شئ من مخلوقاته، لما فيه من اللطف للملائكة، أو لمن يخبر بذلك (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) هذا إخبار منه سبحانه، عن نفسه بأنه أنشأهما في هذا المقدار من الزمان، مع قدرته على أن يخلقهما في مقدار لمح البصر. والوجه في ذلك أنه سبحانه أراد أن يبين بذلك أن الأمور جارية في التدبير على منهاج الحكمة، منشأة على ترتيب لما في ذلك من المصلحة. والمراد بقوله:
(ستة أيام): ما مقداره مقدار ستة أيام، لأنه لم يكن هناك أيام بعد، فإن اليوم عبارة عما بين طلوع الشمس، وغروبها (وكان عرشه على الماء) في هذا دلالة على أن العرش والماء كانا موجودين قبل خلق السماوات والأرض. وكان الماء قائما بقدرة الله تعالى على غير موضع قرار، بل كان الله يمسكه بكمال قدرته، وفي ذلك أعظم الاعتبار لأهل الانكار. وقيل: إن المراد بقوله: (عرشه) بناؤه، يدل عليه قوله:
(ومما يعرشون) أي: يبنون. والمعنى: وكان بناؤه على الماء، فإن البناء على الماء أبدع وأعجب، عن أبي مسلم.
(ليبلوكم أيكم أحسن عملا) معناه: إنه خلق الخلق، ودبر الأمور، ليظهر إحسان المحسن، فإنه الغرض في ذلك أي: ليعاملكم معاملة المبتلي المختبر، لئلا يتوهم انه سبحانه يجازي العباد على حسب ما في معلومه أنه يكون منهم قبل أن يفعلوه. وفي قوله (أحسن عملا) دلالة على أنه قد يكون فعل حسن أحسن من حسن آخر، لأن حقيقة لفظة أفعل يقتضي ذلك (ولئن قلت) يا محمد لهم (إنكم مبعوثون من بعد الموت) للحساب والجزاء (ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر