الشبه، وكتمانهم المراد، وتحريفهم التأويل (وهم بالآخرة) أي: بالقيامة، والبعث، والنشور، والثواب، والعقاب (هم كافرون) أي: جاحدون غير مقرين.
(أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض): أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار الذين وصفهم بأن عليهم لعنة الله، وانهم الذين يصدون عن سبيل الله، بأنهم لم يكونوا فائتين في الأرض هربا فيها من الله تعالى، إذا أراد إهلاكهم، كما يهرب الهارب من عدو قد جد في طلبه، وإنما خص الأرض بالذكر، وإن كانوا لا يفوتون الله، ولا يخرجون عن قبضته على كل حال، لأن معاقل الأرض هي التي يهرب إليها البشر، ويعتصمون بها عند المخاوف، فكأنه سبحانه نفى أن يكون لهؤلاء الكفار عاصم منه، ومانع من عذابه (وما كان لهم من دون الله من أولياء) معناه: إنه ليس لهم من ولي ولا ناصر ينصرونهم، ويحمونهم من الله سبحانه، مما يريد إيقاعه بهم في الدنيا من المكاره، وفي الآخرة من أنواع العذاب.
(يضاعف لهم العذاب) قيل: في معناه وجوه أحدها: إنه لا يقتصر بهم على عذاب الكفر، بل يعاقبون عليه وعلى سائر المعاصي، كما قال في موضع آخر:
(زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) وثانيها: إن معناه انه كلما مضى ضرب من العذاب، يعقبه ضرب آخر من العذاب مثله، أو فوقه، كذلك دائما مؤبدا، وكل ذلك على قدر الاستحقاق وثالثها: إنه يضاعف العذاب على رؤسائهم لكفرهم، وظلمهم أنفسهم، ولدعائهم الأتباع إليه، وهو عذاب الضلال، وهذا الصد عن الدين (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) فيه وجوه أحدها:
يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع، فلا يسمعون، وبما كانوا يستطيعون الإبصار فلا يبصرون، عنادا وذهابا عن الحق، فأسقطت الباء عن الكلام كما في قول الشاعر:
نغالي اللحم للأضياف نيا، ونبذله إذا نضج القدور (1) أراد نغالي باللحم، عن الفراء، والبلخي. وهذا وجه رابع من معنى قوله:
(يضاعف لهم العذاب) وثانيها: إنه لاستثقالهم استماع آيات الله، وكراهتهم تذكرها وتفهمها، جروا مجرى من لا يستطيع السمع، وإن أبصارهم تنفعهم مع إعراضهم