رؤوسهم قدر ثلثي ميل، فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك، فطلبوا نبيهم فلم يجدوه، فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم، ونسائهم، وصبيانهم، ودوابهم، ولبسوا المسوح، وأظهروا الإيمان والتوبة، وأخلصوا النية، وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام، فحن بعضها إلى بعض، وعلت أصواتها، واختلطت أصواتها بأصواتهم، وتضرعوا إلى الله، عز وجل، وقالوا: آمنا بما جاء به يونس. فرحمهم ربهم واستجاب دعاءهم وكشف عنهم العذاب بعد ما أظلهم.
قال عبد الله بن مسعود: بلغ من توبة أهل نينوى أن يرادوا المظالم بينهم حتى كان الرجل ليأتي الحجر، وقد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه ويرده. وروي عن أبي مخلد أنه قال: لما غشي قوم يونس العذاب، مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم، فقالوا له: لقد نزل بنا العذاب، فما ترى؟ قال: قولوا: (يا حي حين لا حي، ويا حي محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت) فقالوها، فانكشف عنهم العذاب.
وروي عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: كان فيهم رجل اسمه مليخا، عابد، وآخر اسمه روبيل عالم، وكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم، وكان العالم ينهاه ويقول له: لا تدع عليهم، فإن الله يستجيب لك، ولا يحب هلاك عباده. فقبل يونس قول العابد، فدعا عليهم، فأوحى الله تعالى إليه أنه يأتيهم العذاب في شهر كذا، في يوم كذا. فلما قرب الوقت، خرج يونس من بينهم مع العابد، وبقي العالم فيهم. فلما كان اليوم الذي نزل بهم العذاب، قال لهم العالم: افزعوا إلى الله فلعله يرحمكم، ويرد العذاب عنكم، فاخرجوا إلى المفازة، وفرقوا بين النساء والأولاد، وبين سائر الحيوان وأولادها، ثم ابكوا، وادعوا. ففعلوا فصرف عنهم العذاب، وكان قد نزل بهم، وقرب منهم وفر يونس على وجهه مغاضبا، كما حكى الله تعالى عنه، حتى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا سفينة قد شحنت (1)، وأرادوا أن يدفعوها، فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه. فلما توسطوا البحر، بعث الله عليهم حوتا عظيما، فحبس عليهم السفينة، فتساهموا، فوقع من بينهم السهم على يونس، فأخرجوه فألقوه في البحر، فالتقمه الحوت، ومر به في الماء، وقيل: إن الملاحين قالوا: نقترع، فمن