وقيل: معناه أنزلناهم في موضع خصب وأمن، يصدق فيما يدل عليه من جلالة النعمة. وقال الحسن: يريد به مصر، وذلك أن موسى عبر ببني إسرائيل البحر ثانيا، ورجع إلى مصر، وتبوأ مساكن آل فرعون. وقال الضحاك: هو الشام ومصر (ورزقناهم من الطيبات) أي: مكناهم الأشياء اللذيذة. وهذا يدل على سعة أرزاق بني إسرائيل (فما اختلفوا حتى جاءهم العلم) معناه: فما اختلفوا في تصديق محمد صلى الله عليه وآله وسلم يعني اليهود كانوا مقرين به قبل مبعثه حتى جاءهم العلم، وهو القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن ابن عباس. وقال الفراء: العلم محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان معلوما عندهم بنعته، فلما جاءهم اختلفوا في تصديقه، فكفر به أكثرهم.
وقيل: إن معناه فما اختلف بنو إسرائيل إلا من بعد ما جاءهم العلم بالحق على يد موسى وهارون، فإنهم كانوا مطبقين على الكفر قبل مجئ موسى، فلما جاءهم، آمن به بعضهم، وثبت على الكفر بعضهم، فصاروا مختلفين (إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) هذا إخبار منه تعالى بأنه الذي تولى الحكم بينهم يوم القيامة، في الأمور التي يختلفون فيها، فإن مع بقاء التكليف لا يرتفع الخلاف.
(فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين (94) ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين (95) إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم (97) القراءة: قد تقدم اختلاف القراء في (كلمة وكلمات)، والوجه في ذلك.
اللغة: الامتراء: طلب الشك مع ظهور الدليل، وهو من مري الضرع وهو مسحه ليدر، فلا معنى لمسحه بعد دروره بالحليب.
الاعراب: (النون) في قوله: (فلا تكونن) نون التأكيد، وهي لا تدخل في غير الواجب، لأنك لا تقول أنت تكونن. ودخلت في القسم على هذا الوجه، لأنه يطلب بالقسم التصديق، وإنما بنى الفعل مع نون التأكيد، لأنها ركبت مع الفعل على