تقدير كلمتين، كل واحدة مركبة مع الأخرى، مع أن الأولى ساكنة، واقتضت حركة بناء، لالتقاء الساكنين، (ولو جاءتهم كل آية) قال الأخفش: أنث (كل) لأنها مضافة إلى مؤنث، ولفظة (كل) للمذكر والمؤنث سواء. والرؤية في الآية: رؤية العين لأنها تعدت إلى مفعول واحد. والعذاب، وإن كان أليما، وهو لا يصح أن يرى، فإنه ترى أسبابه، فهو بمنزلة ما يرى.
المعنى: ثم بين سبحانه صحة نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك): اختلف المفسرون في معناه على أقوال أولها: قال الزجاج: إن هذه الآية قد كثر سؤال الناس عنها، وخوضهم فيها، وفي السورة ما يدل على بيانها، فإن الله سبحانه يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وذلك الخطاب شامل للخلق، فالمعنى فإن كنتم في شك، فاسألوا. والدليل عليه قوله في آخر السورة (يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم) الآية. فأعلم الله سبحانه أن نبيه عليه السلام ليس في شك، ومثل هذا قوله (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) فقال طلقتم والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وحده، وهذا مذهب الحسن، وابن عباس، وأكثر أهل التأويل.
وروي عن الحسن، وقتادة، وسعيد بن جبير، أنهم قالوا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشك، ولم يسأل، وهو المروي أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام وثانيها: إن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن لم يشك، وعلم الله سبحانه أنه غير شاك، ولكن الكلام خرج مخرج التقرير والإفهام، كما يقول القائل لعبده: إن كنت عبدي فأطعني، ولأبيه: إن كنت والدي فتعطف علي، ولولده: ان كنت ابني فبرني، يريد بذلك المبالغة، وربما خرجوا في المبالغة ما يستحيل كقولهم بكت السماء لموت فلان أي:
لو كان تبكي سماء على ميت، لبكت عليه، وكذلك ههنا يكون المعنى: لو كنت ممن يشك فشككت.
(فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك) عن الفراء، وغيره وثالثها: إن المعنى: فإن كنت أيها المخاطب، أو أيها السامع، في شك مما أنزلنا إليك على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون الخطاب لغيره ورابعها: ما ذكره الزجاج أنه يجوز أن يكون في معنى (ما) فيكون المعنى ما كنت في شك مما أنزلنا إليك، (فاسأل الذين يقرؤون الكتاب) أي: لسنا نريد بأمرك أن تسأل لأنك شاك، ولكن لتزداد