ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدى العمى ولو كانوا لا يبصرون (43) إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون (44) المعنى: ثم خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (وإن كذبوك) يا محمد، ولم يصدقوك، وردوا عليك قولك (فقل) لهم (لي عملي) فإن كنت كاذبا فوباله علي (ولكم عملكم) أي: ولكم جزاء عملكم (أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون) نظيره قوله (قل يا أيها الكافرون) إلى آخر السورة. وهذا وعيد لهم من الله تعالى كقوله: (اعملوا على مكانتكم) ونحوه. وقيل: إن هذه الآية منسوخة بآية القتال. وقيل إنه لا تنافي بين هذه الآية، وآية القتال، لأنها براءة ووعيد، وذلك لا ينافي الجهاد.
(ومنهم من يستمعون إليك) معناه: ومن جملة هؤلاء الكفار، من يستمع إليك يا محمد، والاستماع: طلب السمع، فهم كانوا يطلبون السمع للرد لا للفهم، فلذلك لزمهم الذم، فإنهم إذا سمعوه على هذا الوجه، كأنهم صم لم يستمعوه، حيث لم ينتفعوا به (أفأنت تسمع الصم) هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه لم يقدر على إسماع الصم (ولو كانوا لا يعقلون) قال الزجاج: معناه ولو كانوا جهالا. وهذا مثل قول الشاعر (أصم عما ساءه سميع).
(ومنهم من ينظر إليك) أي: ومن جملتهم من ينظر إليك يا محمد، فلم يخبر بلفظ الجمع هنا، لأنه حمله على اللفظ وقال: (من يستمعون)، فأخبر بلفظ الجمع حملا على المعنى، أي: ينظر إلى أفعالك وأقوالك لا نظر الحقيقة والعبرة، بل نظر العادة، فلا ينتفع بنظره (أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون) أي:
فكما أنك لا تقدر أن تبصر العمي فتنفعهم به، كذلك لا تقدر أن تنفع بما تأتي به من الأدلة من ينظر إليها، ولا يطلب الانتفاع بها. وقوله: (أفأنت) استفهام المراد به النفي. وقيل: إن معنى الآيتين ومنهم من يستمع إلى كلامك استماع الطعن والتعنت، وينظر إلى أدلتك نظر الطاعن القادح فيها، المكذب بها، الراد عليها، فلا تقدر أن تنفعهم بمثل هذا الاستماع، والنظر.
(إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) قد تمدح سبحانه