المصدر، موضعه بعد الفعل، تقديره يوم نحشرهم حشرا، كأن لم يلبثوه، أو لم يلبثوا قبله. والصفة لا يتقدم عليها ما تعمل فيه، ولا يجوز أيضا أن تجعله صفة ليوم على هذا، لأن الصفة لا تعمل في الموصوف. ألا ترى أن الصفة شرح للموصوف، كما أن الصلة لا تعمل في الموصول، لذلك فإن قلت: فإذا قدرت كأن لم يلبثوا على تقدير الحال من الضمير، هل يجوز أن يكون يوم معمولا له؟ فإن ذلك لا يجوز، لأن العامل في الحال يحشر أو نحشر، وقد أضيف اليوم إليه، ولا يجوز أن يعمل في المضاف المضاف إليه، ولا ما يتعلق بالمضاف إليه، لأن ذلك يوجب تقديمه على المضاف. ألا ترى أنه لم يجز القتال زيدا حين يأتي.
وإذا جعلت يتعارفون العامل في (يوم نحشرهم) لم يجز أن يكون صفة ليوم، على أنك كأنك وصفت اليوم بقوله (كأن لم يلبثوا) و (يتعارفون)، فوصفت يوم نحشرهم بجملتين، لم يجز أن يكون معمولا لقوله (يتعارفون)، لأن الصفة لا تعمل في الموصوف، وجاز وصف اليوم بالجمل، وإن أضيف، لأن الإضافة ليست بمحضة فلم تعرفه، ويدل على النون في نحشرهم قوله سبحانه: (وحشرناهم)، وقوله: (فجمعناهم جمعا ونحشره يوم القيامة أعمى) ويدل على الياء قوله:
(ليجمعنكم إلى يوم القيامة) وكل واحد منهما يجري مجرى الآخر.
المعنى: ثم بين سبحانه حالهم يوم الجمع، فقال: (ويوم يحشرهم) أي:
يجمعهم من كل مكان إلى الموقف (كأن لم يلبثوا) في الدنيا (إلا ساعة من النهار) أي: كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار، ومعناه: أنهم استقلوا أيام الدنيا، فإن المكث في الدنيا وإن طال، كان بمنزلة مكث ساعة في جنب الآخرة، عن الضحاك، وجماعة. وقيل: استقلوا أيام مقامهم في الدنيا لقلة انتفاعهم بأعمارهم فيها، فكأنهم لم يلبثوا إلا يوما فيها، لقلة فائدتها. وقيل: انهم استقلوا مدة لبثهم في القبور، عن ابن عباس. وقد دل الله سبحانه بذلك على أنه لا ينبغي لأحد أن يغتر بطول ما يأمله من البقاء في الدنيا، إذا كان عاقبته إلى الزوال.
(يتعارفون بينهم) معناه: إن الخلق يعرف بعضهم بعضا في ذلك الوقت، كما كانوا في الدنيا كذلك. وقيل: معناه يعرف بعضهم بعضا ما كانوا عليه من الخطأ والكفر. قال الكلبي: يتعارفون إذا خرجوا من قبورهم، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا العذاب، ويتبرأ بعضهم من بعض (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) أي بلقاء جزاء