المعنى: ثم بين سبحانه أهل دار السلام، فقال: (للذين أحسنوا الحسنى) ومعناه: للذين أحسنوا العمل، وأطاعوا الله تعالى في الدنيا، جزاء لهم على ذلك الحالة الحسنى، والمنزلة الحسنى، وهي الحالة الجامعة للذات والنعيم على أكمل ما يكون، وأفضل ما يمكن، وهو تأنيث الأحسن (وزيادة) ذكر في ذلك وجوه أحدها: إن الحسنى الثواب المستحق والزيادة التفضل على قدر المستحق على طاعاتهم من الثواب، وهي المضاعفة المذكورة في قوله (فله عشر) أمثالها عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة وثانيها: الزيادة هي إن ما أعطاهم الله تعالى من النعم في الدنيا، لا يحاسبهم به في الآخرة، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام. وثالثها:
إن الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة، لها أربعة أبواب، عن علي عليه السلام. وقيل: الزيادة ما يأتيهم في كل وقت من فضل الله مجددا ورابعها: إن الزيادة هي النظر إلى وجه الله تعالى، وروي ذلك عن أبي بكر، وأبي موسى الأشعري، وغيرهما.
وقد بين الله سبحانه الزيادة في موضع آخر بقوله (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم) من فضله (ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة) أي: لا يلحق وجوههم سواد، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: غبار ولا ذلة أي: هوان. وقيل: كآبة وكسوف، عن قتادة. وروى الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من عين ترقرقت بمائها إلا حرم الله ذلك الجسد على النار، فإن فاضت من خشية الله، لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة.
(أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) مر معناه (والذين كسبوا السيئات) أي: اكتسبوها وارتكبوها (جزاء سيئة بمثلها) أي: لهم جزاء كل سيئة بمثلها، يعني يجزون بمثل أعمالهم أي قدر ما يستحق عليها من غير زيادة، لأن الزيادة على قدر المستحق من العقاب ظلم، وليس كذلك الزيادة على قدر المستحق من الثواب، لأن ذلك تفضل يحسن فعله ابتداء، فالمثل هنا مقدار المستحق من غير زيادة، لا نقصان.
(وترهقهم ذلة) أي: يلحقهم هوان وذل، لأن العقاب يقارنه الإهانة والإذلال. (ما لهم من الله من عاصم) أي: ما لهم من حافظ ومانع يدفع عقاب الله عنهم (كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) أي: كأنما ألبست وجوههم ظلمة الليل، والمراد: وصف وجوههم بالسواد كقوله سبحانه: (ويوم القيامة ترى