السنخة (1). وكان النفر منهم يخرجون ما معهم من التميرات بينهم، فإذا بلغ الجوع من أحدهم، أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها، ثم يعطيها صاحبه، فيمصها ثم يشرب عليها جرعة من ماء، كذلك حتى يأتي على آخرهم، فلا يبقى من التمرة إلا النواة. قالوا: وكان أبو خيثمة عبد الله بن خيثمة، تخلف إلى أن مضى من مسير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة أيام، ثم دخل يوما على امرأتين له، في يوم حار، في عريشين لهما، قد رتبتاهما، وبردتا الماء، وهيأتا له الطعام، فقام على العريشين، وقال: سبحان الله! رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، في الفتح والريح والحر والقر يحمل سلاحه على عاتقه، وأبو خيثمة في ظلال باردة، وطعام مهيأ، وامرأتين حسناوين، ما هذا بالنصف! ثم قال: والله لا أكلم واحدة منكما كلمة، ولا أدخل عريشا حتى ألحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم. فأناخ ناضحه، واشتد عليه، وتزود، وارتحل وامرأتاه تكلمانه، ولا يكلمهما، ثم سار حتى إذا دنا من تبوك، قال الناس: هذا راكب على الطريق. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كن أبا خيثمة أولى لك. فلما دنا، قال الناس: هذا أبو خيثمة يا رسول الله. فأناخ راحلته، وسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عليه السلام: أولى لك. فحدثه الحديث، فقال له خيرا، ودعا له، وهو الذي زاغ قلبه للمقام، ثم ثبته الله.
وأما الآية الثانية: فإنها نزلت في شأن كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وذلك أنهم تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يخرجوا معه، لا عن نفاق، ولكن عن توان، ثم ندموا. فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، جاؤوا إليه، واعتذروا، فلم يكلمهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتقدم إلى المسلمين بأن لا يكلمهم أحد منهم، فهجرهم الناس حتى الصبيان، وجاءت نساؤهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلن له: يا رسول الله! نعتزلهم؟ فقال: لا ولكن لا يقربوكن. فضاقت عليهم المدينة، فخرجوا إلى رؤوس الجبال، وكان أهاليهم يجيئون لهم بالطعام، ولا يكلمونهم، فقال بعضهم لبعض: قد هجرنا الناس، ولا يكلمنا أحد منهم، فهلا نتهاجر نحن أيضا! فتفرقوا، ولم يتجمع منهم اثنان، وبقوا على ذلك خمسين يوما، يتضرعون إلى الله تعالى، ويتوبون إليه، فقبل الله تعالى توبتهم، وأنزل فيهم هذه الآية.