المعنى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار) أقسم الله تعالى في هذه الآية، لأن لام (لقد) لام القسم، بأنه سبحانه قبل توبتهم وطاعاتهم، وإنما ذكر اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مفتاحا للكلام، وتحسينا له، ولأنه سبب توبتهم، وإلا فلم يكن منه ما يوجب التوبة. وقد روي عن الرضا علي بن موسى عليه السلام، أنه قرأ: (لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار) (الذين اتبعوه) في الخروج معه إلى تبوك (في ساعة العسرة) وهي صعوبة الأمر. قال جابر: يعني عسرة الزاد، وعسرة الظهر، وعسرة الماء. والمراد بساعة العسرة: وقت العسرة، لأن الساعة تقع على كل زمان. وقال عمر بن الخطاب: أصابنا حر شديد، وعطش، فأمطر الله سبحانه السماء بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعشنا بذلك (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم) عن الجهاد، فهموا بالانصراف من غزاتهم، من غير أمر، فعصمهم الله تعالى من ذلك، حتى مضوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ثم تاب عليهم) من بعد ذلك الزيغ، ولم يرد بالزيغ هاهنا الزيغ عن الإيمان (إنه بهم رؤوف رحيم) تداركهم برحمته، والرأفة أعظم من الرحمة (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) قال مجاهد: معناه خلفوا عن قبول التوبة بعد قبول توبة من قبل توبتهم من المنافقين، كما قال سبحانه فيما مضى: (وآخرون مرجون لأمر الله أما يعذبهم وإما يتوب عليهم) وقال الحسن، وقتادة: معناه خلفوا عن غزوة تبوك لما تخلفوا هم. واما قراءة أهل البيت عليهم السلام: (خالفوا) فإنهم قالوا: لو كانوا خلفوا لما توجه عليهم العتب، ولكنهم خالفوا.
(حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) أي: برحبها، وما هاهنا مصدرية ومعناه: ضاقت عليهم الأرض مع اتساعها، وهذه صفة من بلغ غاية الندم حتى كأنه لا يجد لنفسه مذهبا، وذلك بأن النبي أمر الناس بأن لا يجالسوهم، ولا يكلموهم كما مر ذكره، لأنه كان نزلت توبة الناس، ولم تنزل توبتهم، ولم يكن ذلك على معنى رد توبتهم، لأنهم كانوا مأمورين بالتوبة، ولا يجوز في الحكمة رد توبة من يتوب في وقت التوبة، ولكن الله سبحانه أراد بذلك تشديد المحنة عليهم في تأخير إنزال توبتهم، وأراد بذلك استصلاحهم، واستصلاح غيرهم، لئلا يعودوا إلى مثله.
(وضاقت عليهم أنفسهم): هذه عبارة عن المبالغة في الغم، حتى كأنهم لم يجدوا لأنفسهم موضعا يخفونها فيه. وقيل: معنى ضيق أنفسهم: ضيق صدورهم بالهم الذي حصل فيها (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) أي: وأيقنوا أنه لا