فجعل ثمنهم الجنة. وكان الصادق عليه السلام يقول: أيا من ليست له همة! إنه ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها، وأنشد الأصمعي للصادق عليه السلام.
أثامن بالنفس النفيسة ربها * فليس لها في الخلق كلهم ثمن بها نشتري الجنات إن أنا * بعتها بشئ سواها إن ذلكم غبن إذا ذهبت نفسي بدنيا أصبتها * فقد ذهب الدنيا، وقد ذهب الثمن (يقاتلون في سبيل الله): هذا بيان للغرض الذي لأجله اشتراهم (فيقتلون) المشركين (ويقتلون) أي: ويقتلهم المشركون، يعني أن الجنة عوض عن جهادهم سواء قتلوا أو قتلوا. ومن قرأ (فيقتلون ويقتلون): فهو المختار عن الحسن، لأنه يكون تسليم النفس إلى المشتري أقرب، والبائع إنما يستحق الثمن بتسليم المبيع (وعدا عليه حقا) معناه: إن إيجاب الجنة لهم وعد على الله حق لا شك فيه، وتقديره وعدهم الله الجنة على نفسه وعدا حقا، أي: صدقا واجبا، لا خلف فيه (فيه التوراة والإنجيل والقرآن) وهذا يدل على أن أهل كل ملة أمروا بالقتال وعدوا عليه الجنة، عن الزجاج (ومن أوفى بعهده من الله) معناه: لا أحد أوفى بعهده من الله، لأنه يفي، ولا يخلف بحال (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به) فافرحوا بهذه المبايعة، حتى ترى آثار السرور في وجوهكم، بسبب هذه المبايعة، لأنكم بعتم الشئ من مالكه، وأخذتم ثمنه، ولأنكم بعتم فانيا بباق وزائلا بدائم.
(وذلك هو الفوز العظيم) أي: ذلك الشراء والبيع، الظفر الكبير الذي لا يقاربه شئ. ثم وصف الله سبحانه المؤمنين الذين اشترى منهم الأنفس والأموال، بأوصاف، فقال: (التائبون) أي: الراجعون إلى طاعة الله، والمنقطعون إليه، النادمون على ما فعلوه من القبائح (العابدون) أي: الذين يعبدون الله وحده، ويتذللون له بطاعته في أوامره ونواهيه. وقيل: هم الذين أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم، فعبدوا الله في السراء والضراء، عن الحسن، وقتادة (الحامدون) أي:
الذين يحمدون الله على كل حال، عن الحسن. وقيل: هم الشاكرون لنعم الله على وجه الإخلاص له (السائحون) أي: الصائمون عن ابن عباس، وابن مسعود، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد.
وروي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: سياحة أمتي الصيام. وقيل: هم الذين يسيحون في الأرض، فيعتبرون بعجائب الله تعالى. وقيل: هم طلبة العلم