والعابدين) فيحتمل أن يكون جرا، وأن يكون نصبا، أما الجر فعلى أن يكون وصفا للمؤمنين أي: من المؤمنين التائبين، وأما النصب فعلى إضمار فعل بمعنى المدح، كأنه قال أعني وأمدح التائبين.
اللغة: السائح: من ساح في الأرض يسيح سيحا: إذا استمر في الذهاب، ومنه السيح: الماء الجاري، ومن ذلك يسمى الصائم سائحا، لاستمراره على الطاعة في ترك المشتهى.
الاعراب: (وعدا) نصب على المصدر، لأن قوله (اشترى) يدل على أنه وعد، ومثله (صنع الله الذي أتقن كل شئ)، و (فطرة الله التي فطر الناس عليها).
المعنى: لما تقدم ذكر المؤمنين والمنافقين، عقب سبحانه بالترغيب في الجهاد، فقال: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) حقيقة الاشتراء لا تجوز على الله تعالى، لأن المشتري إنما يشتري ما لا يملكه، وهو عز اسمه مالك الأشياء كلها، لكنه مثل قوله: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) في أنه ذكر لفظ الشراء والقرض تلطفا، لتأكيد الجزاء، ولما كان سبحانه ضمن الثواب على نفسه، عبر عن ذلك بالاشتراء، وجعل الثواب ثمنا، والطاعات مثمنا، على ضرب من المجاز، وأخبر أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم يبذلونها في الجهاد في سبيل الله، وأموالهم أيضا ينفقونها ابتغاء مرضاة الله، على أن يكون في مقابلة ذلك الجنة.
وروي عن الأعمش أنه قرأ: بالجنة، وهي قراءة عمر بن الخطاب. والجهاد قد يكون بالسيف، وقد يكون باللسان، وربما كان جهاد السان أبلغ، لأن سبيل الله دينه، والدعاء إلى الدين يكون أولا باللسان، والسيف تابع له، ولأن إقامة الدليل على صحة المدلول، أولى، وإيضاح الحق وبيانه أحرى، وذلك لا يكون إلا باللسان، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي! لئن يهدي الله على يديك نسمة، خير مما طلعت عليه الشمس).
وإنما ذكر سبحانه شراء النفس والمال، لأن العبادات على ضربين: بدنية ومالية، ولا ثالث لهما. ويروى أن الله سبحانه تاجر المؤمنين، فأغلى لهم الثمن،