الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم) أي: فيقال لهم: أكفرتم، ولا يجوز أن يكون الذين بدلا من قوله (وآخرون مرجون) لأن المرجئين لأمر الله غير الذين اتخذوا مسجدا ضرارا، فلا يجوز أن يبدلوا منهم.
ومن قرأ (أسس بنيانه): بنى الفعل للفاعل كما أضاف البنيان إليه في قوله (بنيانه) فالمصدر مضاف إلى الفاعل، والباني والمؤسس واحد. ومن بنى الفعل للمفعول به، لم يبعد أن يكون في المعنى كالأول، لأنه إذا أسس بنيانه فيولي ذلك غيره بأمره كان كبنائه هو له. فأما من قرأ: (أسس بنيانه) بالرفع في الموضعين، وأساس بنيانه بالإضافة، فإنهما بمعنى واحد، وجمع الأس: أساس، كقفل وأقفال، وجمع الأساس: آساس وأسس. وأما الجرف: فالأصل فيه ضم العين، والإسكان تخفيف، ومثله الشغل والشغل، والطنب والطنب. ومن قرأ: (إلا أن تقطع قلوبهم): فمعناه تبلى وتتقطع بالبلى، أي: لا تثلج قلوبهم بالإيمان أبدا (1).
ومن قرأ (تقطع): بضم التاء، فهو في المعنى مثل لأول، إلا أن الفعل أضيف إلى القطع المبلي للقلوب بالموت. وفي الأول أسند إلى القلوب، لما كانت هي البالية، وهذا مثل مات زيد، وسقط الحائط، ونحو ذلك، مما أسند فيه الفعل إلى من حدث فيه، وإن لم يكن منه وتقطع، يسند الفعل فيه إلى المقطع المبلى، وإن لم يذكر في اللفظ، فأسند الفعل الذي هو لغير القلوب في الحقيقة إلى القلوب. ومن قرأ (إلى أن تقطع): فإنه جعله على الغاية، وزعموا أن في حرف إلى حتى الممات، وهذا يدل على أنهم يموتون على نفاقهم، فإذا ماتوا عرفوا بالموت ما كانوا تركوه من الإيمان، وأخذوا به من الكفر.
اللغة: الضرار: هو طلب الضرر ومحاولته، كما أن الشقاق محاولة ما يشق، يقال: ضاره مضارة وضرار. والإرصاد: الارتقاب، تقول رصده يرصده رصدا، وأرصد له إرصادا. قال الكسائي: رصدته: رقبته، وأرصدته: أعددته. والبنيان:
مصدر. قال أبو علي: وهو جمع على حد شعيرة وشعير، لأنهم قالوا بنيانة في الواحد، قال أوس:
كبنيانة القري موضع رحلها، * وآثار نسعيها من الدف أبلق (2)