محتمل. غير أنا نعلم أن المرتين معا قبل أن يردوا إلى عذاب النار.
(ثم يردون إلى عذاب عظيم) أي: يرجعون يوم القيامة إلى عذاب مؤبد في النار (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) يعني: من أهل المدينة، أو من الأعراب آخرون أقروا بذنوبهم، وليس براجع إلى المنافقين. والاعتراف: الإقرار بالشئ عن معرفة (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) يعني: إنهم يفعلون أفعالا جميلة، ويفعلون أفعالا سيئة قبيحة، والتقدير: وعملا آخر سيئا (عسى الله أن يتوب عليهم) قال المفسرون: عسى من الله واجبه، وإنما قال: عسى، حتى يكونوا بين طمع وإشفاق، فيكون ذلك أبعد من الإتكال على العفو وإهمال التوبة وفي هذا دلالة على بطلان القول بالإحباط، لأنه لو صح الإحباط لكان أحد العملين إذا طرأ على الآخر أحبطه وأبطله، فلم يجتمعا، فلا يكون لقوله: (خلطوا) معنى.
وقال بعض التابعين: ما في القرآن آية أرجى لهذه الأمة من هذه الآية، وقد يستعمل لفظ الخلط في الجمع من غير امتزاج، يقال: خلط الدراهم والدنانير.
وقيل: إنه يجري مجرى قولهم: استوى الماء والخشبة أي: مع الخشبة. وقيل:
إن (خلط) بالتخفيف في الخير، (وخلط) بالتشديد في الشر (إن الله غفور رحيم) هذا تعليل لقبول التوبة من العصاة، أي: لأنه غفور رحيم.
النزول: قال أبو حمزة الثمالي: بلغنا أنهم ثلاثة نفر من الأنصار: أبو لبابة بن عبد المنذر، وثعلبة بن وديعة، وأوس بن حذام، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عند مخرجه إلى تبوك، فلما بلغهم ما أنزل الله فيمن تخلف عن نبيه، أيقنوا بالهلاك، وأوثقوا أنفسهم بسواري (1) المسجد، فلم يزالوا كذلك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسأل عنهم، فذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلون أنفسهم حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يحلهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأنا أقسم لا أكون أول من حلهم إلا أن أؤمر فيهم بأمر، فلما نزل (عسى الله أن يتوب عليهم) عمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إليهم، فحلهم فانطلقوا فجاؤوا بأموالهم إلى رسول الله، فقالوا: هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فخذها، وتصدق بها عنا. قال عليه السلام: ما أمرت فيها. فنزل (خذ من أموالهم صدقة) الآيات.