ومن أمثالهم الثريد أحد اللحمين وربما كان أنفع وأقوى من نفس اللحم النضيج إذا ثرد بمرقته قوله: (كمل) بتثليث الميم قال في القاموس كمل كنصر وكرم وعلم كمالا وكمولا انتهى أي صار كاملا أو بلغ مبلغ الكمال قوله (من الرجال كثير) أي كثيرون من أفراد هذا الجنس حتى صاروا رسلا وأنبياء وخلفاء وعلماء وأولياء (ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون) والتقدير إلا قليل منهن ولما كان ذلك القليل محصورا فيهما باعتبار الأمم السابقة نص عليهما بخلاف الكمل من الرجال فإنه يبعد تعدادهم واستقصاؤهم بطريق الانحصار سواء أريد بالكمل الأنبياء أو الأولياء قال الحافظ في الفتح استدل بهذا الحصر على أنهما نبيتان لأن أكمل الانسان الأنبياء ثم الأولياء والصديقون والشهداء فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة والواقع أن هذه الصفات في كثير منهن موجودة فكأنه قال ولم ينبأ من النساء إلا فلانة وفلانة ولو قال لم تثبت صفة الصديقية أو الولاية أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم يصح لوجود ذلك في غيرهن إلا أن يكون المراد في الحديث كمال غير الأنبياء فلا يتم الدليل على ذلك لأجل ذلك انتهى وقال الكرماني لا يلزم من لفظ الكمال ثبوت نبوتهما لأنه يطلق لتمام الشئ وتناهيه فيه بابه فالمراد ببلوغهما إليه في جميع الفضائل التي للنساء قال وقد نقل الاجماع على عدم نبوة النساء كذا قال وقد نقل عن الأشعري من النساء من نبئ وهن ست حواء وسارة وأم موسى وهاجر وآسية ومريم والضابط عنده أن من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر ونهى أو بإعلام مما سيأتي فهو نبي وقد ثبت مجئ الملك لهؤلاء بأمور شتى من ذلك من عند الله عز وجل ووقع التصريح بالإيحاء لبعضهن في القرآن وذكر ابن حزم في الملل والنحل أن هذه المسألة لم يحدث التنازع فيها إلا في عصره بقرطبة وحكى عنهم أقوالا ثالثها الوقف قال: وحجة المانعين قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك الا رجالا) قال: وهذا لا حجة فيه فإن أحدا لم يدع فيهن الرسالة وإنما الكلام في النبوة فقط قال وأصرح ما ورد في ذلك قصة مريم وفي قصة أم موسى ما يدل على ثبوت ذلك لها من مبادرتها بإلقاء ولدها في البحر بمجرد الوحي إليها بذلك قال وقد قال الله تعالى بعد أن ذكر مريم والأنبياء بعدها أولئك الذي أنعم عليهم من النبيين فدخلت في عمومه والله
(٤٥٩)