وينصروه فيخرج من قولهما انه كان عينا على الطائفتين كفاية في حق غيرهم ومع ذلك فليس في حق الطائفتين على التعميم بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق وفي حق المهاجرين إذا أريد قتال أحد من الكفار ابتداء ويؤيد هذا ما وقع في قصة بدر فيما ذكره ابن إسحاق فإنه كالصريح في ذلك وقيل كان عينا في الغزوة التي يخرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها والتحقيق انه كان عينا على من عينه النبي صلى الله عليه وسلم في حقه ولو لم يخرج الحال الثاني بعده صلى الله عليه وسلم فهو فرض كفاية على المشهور الا أن تدعو الحاجة إليه كأن يدهم العدو ويتعين على من عينه الامام ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور ومن حجتهم ان الجزية تجب بدلا عنه ولا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقا فليكن بدلها كذلك وقيل يجب كلما أمكن وهو قوي والذي يظهر أنه استمر على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تكاملت فتوح معظم البلاد وانتشر الاسلام في أقطار الأرض ثم صار إلى ما تقدم ذكره والتحقيق أيضا ان جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم اما بيده واما بلسانه واما بماله واما بقلبه والله أعلم (قوله وقول الله عز وجل انفروا خفافا وثقالا الآية) هذه الآية متأخرة عن التي بعدها والامر فيها مقيد بما قبلها لأنه تعالى عاتب المؤمنين الذين يتأخرون بعد الامر بالنفير ثم عقب ذلك بان قال انفروا خفافا وثقالا وكان المصنف قدم آية الامر على آية العتاب لعمومها وقد روى الطبري من رواية أبي الضحى قال أول ما نزل من براءة انفروا خفافا وثقالا وقد فهم بعض الصحابة من هذا الامر العموم فلم يكونوا يتخلفون عن الغزو حتى ماتوا منهم أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن الأسود وغيرهم ومعنى قوله خفافا وثقالا متأهبين أو غير متأهبين نشاطا أو غير نشاط وقيل رجالا وركبانا (قوله وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض الآية) قال الطبري يجوز أن يكون قوله تعالى الا تنفروا يعذبكم عذابا أليما خاصا والمراد به من استنفره رسول الله صلى الله عليه وسلم فامتنع وأخرج عن الحسن البصري وعكرمة انها منسوخة بقوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة ثم تعقب ذلك والذي يظهر انها مخصوصة وليست بمنسوخة والله أعلم وطريق عكرمة أخرجها أبو داود من وجه آخر حسن عنه عن ابن عباس (قوله ويذكر عن ابن عباس انفروا ثبات سرايا متفرقين) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه بهذا أي اخرجوا سرية بعد سرية أو انفروا جميعا أي مجتمعين وزعم بعضهم أنها ناسخة لقوله تعالى انفروا خفافا وثقالا والتحقيق أن لا نسخ بل الرجوع في الآيتين إلى تعيين الامام والى الحاجة إلى ذلك * (تنبيه) * وقع في رواية أبي ذر والقابسي ثباتا بالألف وهو غلط لا وجه له لأنه جمع ثبة كما سترى (قوله ويقال واحد الثبات ثبة) أي بضم المثلثة وتخفيف الموحدة بعدها هاء تأنيث وهو قول أبي عبيدة في المجاز وزاد ومعناها جماعات في تفرقة ويؤيده قوله بعده أو انفروا جميعا قال وقد يجمع ثبة على ثبين وقال النحاس ليس من هذا ثبة الحوض وهو وسطه سمي بذلك لأن الماء يثوب إليه أي يرجع إليه ويجتمع فيه لأنها من ثاب يثوب وتصغيرها ثويبة وثبة بمعنى الجماعة من ثبا يثبو وتصغيرها ثبية والله أعلم (قوله لا هجرة بعد الفتح) أي فتح مكة قال الخطابي وغيره كانت الهجرة فرضا في أول الاسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع فلما فتح الله مكة دخل الناس في
(٢٨)