دواب مثل البعوض واحدتها فراشة وقد شبه الله تعالى الناس في المحشر بالفراش المبثوث أي في الكثرة والانتشار والاسراع إلى الداعي (قوله وهذه الدواب تقع في النار) قلت منها البرغش والبعوض ووقع في حديث جابر فجعل الجنابذ والفراش والجنابذ جمع جنبذ وهو على القلب والمعروف الجنادب جمع جندب بفتح الدال وضمها والجيم مضمومة وقد تكسر وهو على خلقة الجرادة يصر في الليل صرا شديدا وقيل إن ذكر الجراد يسمى أيضا الجندب (قوله تقع في النار) كذا فيه وانما هو في نسخة شعيب كما أخرجه أبو نعيم في المستخرج وهذه الدواب التي تقعن في النار تقعن فيها قال النووي مقصود الحديث انه صلى الله عليه وسلم شبه المخالفين له بالفراش وتساقطهم في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا مع حرصهم على الوقوع في ذلك ومنعه إياهم والجامع بينهما اتباع الهوى وضعف التمييز وحرص كل من الطائفتين على هلاك نفسه وقال القاضي أبو بكر بن العربي هذا مثل كثير المعاني والمقصود ان الخلق لا يأتون ما يجرهم إلى النار على قصد الملكة وانما يأتونه على قصد المنفعة واتباع الشهوة كما أن الفراش يقتحم النار لا ليهلك فيها بل لما يعجبه من الضياء وقد قيل إنها لا تبصر مجال وهو بعيد وانما قيل إنها تكون في ظلمة فإذا رأت الضياء اعتقدت انه كوة يظهر منها النور فتقصده لأجل ذلك فتحترق وهي لا تشعر وقيل إن ذلك لضعف بصرها فتظن انها في بيت مظلم وان السراج مثلا كوة فترمي بنفسها إليه وهي من شدة طيرانها تجاوزه فتقع في الظلمة فترجع إلى أن تحترق وقيل إنها تتضرر بشدة النور فتقصد اطفاءه فلشدة جهلها تورط نفسها فيما لا قدر لها عليه ذكر مغلطاي انه سمع بعض مشايخ الطب يقوله وقال الغزالي التمثيل وقع على صورة الاكباب على الشهوات من الانسان باكباب الفراش على التهافت في النار ولكن جهل الآدمي أشد من جهل الفراش لأنها باغترارها بظواهر الضوء إذا احترقت انتهى عذابها في الحال والآدمي يبقي في النار مدة طويلة أو أبدا والله المستعان (قوله وقال كانت امرأتان) ليس في سياق البخاري تصريح برفعه وهو مرفوع عنده عن أبي اليمان عن شعيب في أواخر كتاب الفرائض أورده هناك وكذا هو في نسخة شعيب عند الطبراني وغيره وفي رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب حدثني أبو الزناد مما حدثه عبد الرحمن الأعرج مما ذكر انه سمع أبا هريرة يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما امرأتان (قلت) ولم أقف على اسم واحدة من هاتين المرأتين ولا على اسم واحد من ابنيهما في شئ من الطرق (قوله فتحاكما) في رواية الكشميهني فتحاكمتا وفي نسخة شعيب فاختصما (قوله فقضى به للكبرى الخ) قيل كان ذلك على سبيل الفتيا منهما لا الحكم ولذلك ساغ لسليمان ان ينقضه وتعقبه القرطبي بان في لفظ الحديث انه قضى بأنهما تحاكما وبان فتيا النبي وحكمه سواء في وجوب تنفيذ ذلك وقال الداودي انما كان منهما على سبيل المشاورة فوضح لداود صحة رأي سليمان فأمضاه قال ابن الجوزي استويا عند داود في اليد فقدم الكبرى للسن وتعقبه القرطبي وحكى انه قيل كان من شرع داود ان يحكم للكبرى قال وهو فاسد لان الكبر والصغر وصف طردي كالطول والقصر والسواد والبياض ولا أثر لشئ من ذلك في الترجيح قال وهذا مما يكاد يقطع بفساده قال والذي ينبغي ان يقال إن داود عليه السلام قضى به للكبرى لسبب اقتضى به عنده ترجيح قولها إذ لا بينة لواحدة منهما وكونه لم يعين في الحديث
(٣٣٤)