ورجل ثالث سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا يأمر به ثم إنه نهى عنه وهو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شئ، ثم أمر به وهو لا يعلم فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ....
وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يهم بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه، فحفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنب عنه، وعرف الخاص والعام فوضع كل شئ موضعه وعرف المتشابه والمحكم.
وقد كان يكون من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكلام له وجهان: فكلام خاص وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله سبحانه به، ولا ما عني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه، وما قصد به، وما خرج من أجله، وليس كل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كان يسأله ويستفهمه حتى إن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطاري فيسأله (عليه السلام) حتى يسمعوا، وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألت عنه وحفظته، فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم " (1).
فإذا لا يكون المسائل التي كتبها الصحابة إلا قليلا لا يكفي في بيان الأحكام الشرعية وإعطاء القواعد الكلية، ومن أجل ذلك رأى الرسول (صلى الله عليه وآله) من الواجب أن يجعل من ليله ونهاره وقتا خاصا لذلك، ويخص به عليا (عليه السلام) حتى يملي عليه جميع المسائل الإسلامية والقواعد الكلية في الأصول والفروع، قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
" كنت إذا سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاني وإذا سكت وفنيت مسائلي ابتدأني " لا