فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أول من قام بهذا الأمر وأقدم على هذه النهضة العلمية الثقافية حفظا للسنة عن الضياع والسهو والنسيان والتحريف والزيادة والنقصان، وهو يعلم أن الحفظ لا يفي دون التقييد، كيف والإنسان مجبول على السهو والنسيان، وأن العلم لا يبقى مدى العصور إلا بالتقييد والكتابة.
4 - ولكنه (صلى الله عليه وآله) يعلم أيضا بأن الكتابة والتقييد أيضا لا يكفي ولا يصون الزيادة والنقصان والسهو والخطأ في الكتاب وعن الكذب والتدجيل، بل كان يعلم أنه سوف يكذبون عليه بعد موته كما كانوا قد يكذبون عليه في حياته حتى قال (صلى الله عليه وآله):
" من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار " (1). وأنهم سوف يكثرون عليه من الكذب والافتراء، ويفتعلون الأحاديث على حسب مشتهيات أنفسهم ومشتهيات رؤسائهم تزلفا إليهم وجلبا لحطام الدنيا، وسيحرفون ويبدلون كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولأجل ذلك جعل ديوانا خاصا لكتابة السنة، وعين له عليا (عليه السلام)، وأمره أن يكتب جميع ما يلقي إليه ويملي عليه لا خوفا له عن النسيان، بل لشركائه في الولاية وإدارة المجتمع الإسلامي، هم الأئمة من ولده عليه وعليهم صلوات الله.
فجعل يملي على علي (عليه السلام) السنن والعلوم الإلهية وتفسير القرآن الكريم وتأويله ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وخاصه وعامه ومطلقه ومقيده و... وما مضى وما يأتي، وجعل له وقتا خاصا بالليل والنهار يخلي له البيت، وكان ذلك كله صونا للعلوم الإلهية والأحكام الشرعية عن أي سهو أو نسيان أو خطأ أو تحريف لأن المعصوم النبي العظيم (صلى الله عليه وآله) يملي والمعصوم ولي الأمر علي بن أبي طالب (عليه السلام) يكتب، ومن المعلوم إذا كان المملي معصوما والكاتب معصوما كان الدين مصونا ومحفوظا عن الخطأ والزلل.