ابن المنذر: أقسم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب الله ثم قال إن عليه جلد مائة وتغريب عام وهو المبين لكتاب الله وخطب بذلك عمر على رؤوس المنابر وكأن الطحاوي لما رأى ضعف جواب الحنفية هذا أجاب عنهم بأن حديث التغريب منسوخ بحديث إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثم قال في الثالثة: فليبعها والبيع يفوت التغريب قال: وإذا سقط عن الأمة سقط عن الحرة لأنها في معناها قال: ويتأكد بحديث لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم قال: وإذا انتفى عن النساء عن الرجال انتهى. وفيه ضعف لأنه مبني على أن العام إذا خص لم يبق دليلا وهو ضعيف كما عرف في الأصول. ثم نقول: الأمة خصصت من حكم التغريب، وكان الحديث عاما في حكمه للذكر والأنثى والأمة والعبد، فخصت منه الأمة وبقي ما عداها داخلا تحت الحكم. واستدل الهادوية بما ذكره المهدي في البحر من قوله: قلت: التغريب عقوبة لا حد لقول علي جلد مائة وحبس سنة ولنفي عمر في الخمر ولم ينكر، ثم قال: لا أنفي بعدها أحدا، والحدود لا تسقط.
انتهى. ولا يخفى ضعف ما قاله. أما كلام علي عليه السلام فإنه مؤيد لما قاله الجماهير، فإنه جعل الحبس عوضا عن التغريب فهو نوع منه، وأما نفي عمر في الخمر فاجتهاد منه زيادة في العقوبة ثم ظهر له ألا ينفي أحدا باجتهاده، والنفي في الزنا بالنص، ويروى عن علي عليه السلام. وقال مالك والأوزاعي: إن المرأة لا تغرب، قالوا: لأنها عورة وفي نفيها تضييع لها وتعريض للفتنة، ولهذا نهيت عن السفر مع غير محرم، ولا يخفى أنه لا يرد ما ذكر ولأنه قد شرط من قال بالتغريب أن تكون مع محرمها وأجرته منها إذ وجبت بجنايتها، وقيل في بيت المال كأجرة الجلاد. وأما الرقيق: فإنه ذهب مالك وأحمد وغيرهما إلى أنه لا ينفى قالوا: لان نفيه عقوبة لمالكه لمنعه نفعه مدة غربته، وقواعد الشرع قاضية أن لا يعاقب إلا الجاني ومن ثمة سقط فرض الجهاد والحج عن المملوك. وقال الثوري وداود: ينفي لعموم أدلة التغريب ولقوله تعالى: * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * وينصف في حق المملوك لعموم الآية. وأما مسافة التغريب فقالوا: أقلها مسافة القصر لتحصل الغربة وغرب عمر من المدينة إلى الشام، وغرب عثمان إلى مصر، ومن كان غريبا لا وطن له غرب إلى غير البلد التي واقع فيها المعصية. المسألة الثانية: في قوله: الثيب بالثيب المراد بالثيب من قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل، والمرأة مثله وهذا الحكم يستوي فيه المسلم والكافر. والحكم هو ما دل له قوله جلد مائة والرجم فإنه أفاد أنه يجمع للثيب بين الجلد والرجم وهو قول علي كما أخرجه البخاري أنه جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله (ص) قال الشعبي: قيل لعلي جمعت بين حدين: فأجاب بما ذكر. قال الحازمي: وذهب إلى هذا أحمد وإسحاق وداود وابن المنذر وهو مذهب الهادوية. وذهب غيرهم: إلى أنه لا يجمع بين الجلد والرجم. قالوا: وحديث عبادة منسوخ بقصة ماعز والغامدية واليهودية فإنه (ص) رجمهم ولم يرو أنه جلدهم.
قال الشافعي: فدلت السنة على أن الجلد ثابت على البكر ساقط عن الثيب، قالوا وحديث