على الاستحباب، حيث اتجه إلى هذا الحمل في أول ردوده. وبما أن المؤلف - كما سنرى لاحقا لا يكتفي في تقديم أدلته وردوده بدليل واحد أو وجه واحد بل يعرض كل الاحتمالات الواردة، حينئذ نستخلص بأن الدليل أو الوجه الذي يعتمده أساسا هو: ما يذكره أولا، وهذا هو الذي يمنح ممارسته الفقهية قيمتها الحقة، وأن ما يذكره من أدلة أو وجوه أخرى تظل مجرد أدوات يستخدمها لإلزام المخالف، فيا يفصح مثل هذا المنحى في الاستدلال عن كونه خطأ في حقل المناقشة والرد ونحوهما، وليس خطأ في استخلاص الحكم النهائي للمسألة، حيث قلنا أن استخلاصه للحكم يتحدد - في الغالب - في الدليل أو الوجه الأول من فاتحة الأدلة أو التي يسردها في مناقشاته مع الآخرين.
3 النص والتعارض: الممارسات المتقدمة، تمثل نموذجا لتعامل المؤلف مع النصوص المتضاربة التي لا يمكن الجمع بينها، فإن المؤلف يسلك المنحى الاستدلالي الذي تفرضه طبيعة الموقف في أمثلة هذا التضارب الذي عرضت له روايات أهل البيت عليهم السلام، وقدمت الحلول المتنوعة في معالجته، متمثلة في ترجيح الموثوق سندا، والمشهور رواية والموافق للقرآن الكريم، والمخالف لآراء العامة. إلخ.
أما ما يرتبط بوثاقة الراوي، فسنعرض له لاحقا عند حديثنا عن تعامله مع السند.
وأما المرجحات الأخرى، فإن المؤلف يتوفر على العمل بها بنحو ملحوظ، وفي مقدمتها الترجيح بالشهرة الروائية. وهذا ما يمكن ملاحظته في ممارسات متنوعة، من نحو ترجيحه للروايات الذاهبة إلى أن حد النفاس هو حد أكثر الحيض مقابل ما ورد من النصوص التي تحدده أكثر من ذلك معلقا على ذلك بقوله: (إن ما رويناه أكثر، والكثرة تدل على الرجحان)، ومن نحو ترجيحه للروايات المحددة لرؤية الهلال بالرؤية ومضي ثلاثين يوما، مقابل رواية تحدده بالغيبوبة قبل الشفق وبعده: (إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين) حيث رجح الروايات الأولى، بقوله:
(لكثرتها واشتهارها حتى قاربت المتواتر). ونحو التعقيب الذي استند فيه إلى وجهة نظر