وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالاسلام ومنعوا الصدقات ولهم لسان عربي والردة ارتداد عما كانوا عليه بالكفر وارتداد بمنع حق كانوا عليه وقول عمر لأبي بكر رضي الله عنهما أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله؟ " وقول أبى بكر هذا من حقها لو منعوني عناقا مما أعطوه النبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها معرفة منهما معا أن ممن قاتلوا من تمسك بالاسلام ولولا ذلك لما شك عمر في قتالهم ولقال أبو بكر قد تركوا لا إله إلا الله فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبى بكر وأشعار من قال الشعر منهم فقال شاعرهم ألا أصبحينا قبل نائرة الفجر * لعل منايانا قريب وما ندري أطعنا رسول الله ما كان بيننا * فيا عجبا ما بال ملك أبى بكر فإن الذي سألوكم فمنعتم * لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر سنمنعهم ما كان فينا بقية * كرام على العزاء في ساعة العسر وقالوا لأبي بكر رضي الله عنه بعد الأسئار ما كفرنا بعد إيماننا ولكنا شححنا على أموالنا فسار إليهم أبو بكر بنفسه حتى لقى أخا بنى بدر الفزاري فقاتله ومعه عمر وعامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمضى أبو بكر رضي الله عنه خالدا في قتال من ارتد ومنع الزكاة فقاتلهم بعوام من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله ففي هذا دلالة على أن من منع حقا مما فرض الله عليه فلم يقدر الإمام على أخذه بامتناعه قاتله وإن أتى القتال على نفسه وفي هذا المعنى كل حق لرجل على رجل فمنعه بجماعة وقال لا أؤدي ولا أبدؤكم بقتال قوتل وكذا قال من منع الصدقة ممن نسب إلى الردة فإذا لم يختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتالهم بمنع الزكاة فالباغي الذي يقاتل الإمام العادل في مثل معناهم في أنه لا يعطى الإمام العادل حقا يجب عليه ويمتنع من حكمه ويزيد على مانع الصدقة أن يريد أن يحكم هو على الإمام العادل ولو أن نفرا يسيرا قليلي العدد ويعرف أن مثلهم لا يمتنع إذا أريدوا فأظهروا آراءهم ونابذوا الإمام العادل وقالوا نمتنع من الحكم فأصابوا أموالا ودماء وحددوا في هذه الحال متأولين ثم ظهر عليهم أقيمت عليهم الحدود وأخذت منهم الحقوق كما تؤخذ من غير المتأولين وإذا كانت لأهل البغى جماعة تكبر ويمتنع مثلها بموضعها الذي هي به بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال إلا حتى تكثر نكايته واعتقدت ونصبت إماما وأظهرت حكما وامتنعت من حكم الإمام العادل فهذه الفئة الباغية التي تفارق حكم من ذكرنا قبلها فإن فعلوا مثل هذا فينبغي أن يسألوا ما نقموا فإن ذكروا مظلمة بينة ردت وإن لم يذكروها بينة قيل عودوا لما فارقتم من طاعة الإمام العادل وأن تكون كلمتكم وكلمة أهل دين الله على المشركين واحدة وأن لا تمتنعوا من الحكم فإن فعلوا قبل منهم وإن امتنعوا قيل إنا مؤذنوكم بحرب فإن لم يجيبوا قوتلوا ولا يقاتلوا حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا حتى يفيئوا إلى أمر الله (قال الشافعي) رحمه الله والفيئة الرجوع عن القتال بالهزيمة أو الترك للقتال أي حال تركوا فيها القتال فقد فاءوا وحرم قتالهم لأنه أمر أن يقاتل وإنما يقاتل من يقاتل فإذا لم يقاتل حرم بالاسلام أن يقاتل فأما من لم يقاتل فإنما يقال اقتلوه لا قاتلوه نادى منادى علي رضي الله عنه يوم الجمل ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح وأتى علي رضي الله عنه يوم صفين بأسير فقال له على لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين فخلى سبيله والحرب يوم صفين قائمة ومعاوية يقاتل جادا في أيامه كلها منتصفا أو مستعليا فبهذا كله أقول وأما إذا لم تكن جماعة ممتنعة فحكمه القصاص قتل ابن ملجم عليا متأولا فأمر بحبسه وفال لولده إن قتلتم فلا تمثلوا ورأي عليه القتل
(٢٥٦)