باب الكفارة قبل الحنث وبعده (قال الشافعي) رحمه الله: ومن حلف على شئ وأراد أن يحنث فأحب إلى لو لم يكفر حتى يحنث فإن كفر قبل الحنث بغير الصيام أجزأه وإن صام لم يجزه لأنا نزعم أن لله على العباد حقا في أموالهم وتسلف النبي صلى الله عليه وسلم من العباس صدقة عام قبل أن يدخل وأن المسلمين قدموا صدقة الفطر قبل أن يكون الفطر فجعلنا الحقوق في الأموال قياسا على هذا فأما الأعمال التي على الأبدان فلا تجزئ إلا بعد مواقيتها كالصلاة والصوم.
باب من حلف بطلاق امرأته أن يتزوج عليها (قال الشافعي) رحمه الله ومن قال لامرأته أنت طالق إن تزوجت عليك فطلقها واحدة تملك الرجعة ثم تزوج عليها في العدة طلقت بالحنث وإن كانت بائنا لم يحنث فإن قال أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك ولم يوقت فهو على الأبد لا يحنث حتى يموت أو تموت هي قبل أن يتزوج عليها وإن تزوج عليها من يشبهها أو لا يشبهها خرج من الحنث دخل بها أو لم يدخل بها وإن ماتت لم يرثها وإن مات ورثته في قول من يورث المبتوتة إذا وقع الطلاق في المرض (قال المزني) قد قطع في غير هذا الكتاب أنها لا ترث (قال المزني) وهو بالحق أولى لأن الله تبارك وتعالى ورثها منه بالمعنى الذي ورثه به منها فلما ارتفع ذلك المعنى فلم يرثها لم يجز أن ترثه.
باب الاطعام في الكفارة في البلدان كلها ومن له أن يطعم وغيره (قال الشافعي) ويجزئ في كفارة اليمين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قلنا يجزى هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى بعرق فيه تمر فدفعه إلى رجل وأمره أن يطعمه ستين مسكينا والعرق فيما يقدر خمسة عشر صاعا وذلك ستون مدا فلكل مسكين مد في كل بلاد سواء ولا أرى أن يجزى دراهم وإن كانت أكثر من قيمة الامداد وما اقتات أهل البلدان من شئ أجزأهم منه مد ويجزى أهل البادية مد أقط (قال المزني) رحمه الله أجاز الاقط ههنا ولم يجزه في الفطرة وإذا لم يكن لأهل بلاد قوت من طعام سوى اللحم أدوا مدا مما يقتات أقرب البلدان إليهم ويعطى الرجل الكفارة والزكاة من لا تلزمه النفقة عليه من قرابته وهم من عدا الولد والوالد والزوجة إذا كانوا أهل حاجة فهم أحق بها من غيرهم وإن كان ينفق عليهم تطوعا ولا يجزئه إلا أن يعطى حرا مسلما محتاجا ولو علم أنه أعطى غيرهم فعليه عندي أن يعيد ولا يطعم أقل من عشرة مساكين واحتج على من قال إن أطعم مسكينا واحدا مائة وعشرين مدا في ستين يوما أجزأه وإن كان في أقل من ستين لم يجزه فقال أراك جعلت واحدا ستين مسكينا فقد قال الله " وأشهدوا ذوي عدل منكم " فإن شهد اليوم شاهد بحق ثم عاد من الغد فشهد به فقد شهد بها مرتين فهو كشاهدين فإن قال لا يجوز لأن الله عز وجل ذكر العدد قيل وكذلك ذكر الله للمساكين العدد (قال الشافعي) رحمه الله ولو أطعم تسعة وكسا واحدا لم يجزه حتى يطعم عشرة كما قال الله عز وجل " أو كسوتهم " قال ولو كانت عليه كفارة ثلاثة أيمان مختلفة فأعتق وأطعم وكسا ينوى الكفارة ولا ينوى عن أيها العتق ولا الاطعام ولا الكسوة أجزأه وأيها شاء أن يكون عتقا أو طعاما أو كسوة كان وإن لم يشأ فالنية الأولى تجزئه قال ولا يجزى كفارة حتى يقدم النية قبلها أو معها ولو كفر عنه رجل بأمره أجزأه وهذه كهبته إياها من ماله ودفعه