وإنما أذن الله بأخذ الجزية منهم على ما دانوا به قبل محمد عليه الصلاة والسلام وذلك خلاف ما أحدثوا من الدين بعده فإن أقام على ما كان عليه وإلا نبذ إليه عهده وأخرج من بلاد الاسلام بما له وصار حربا ومن بدل دينه من كتابية لم يحل نكاحها (قال المزني) رحمه الله: قد قال في كتاب النكاح وقال في كتاب الصيد والذبائح إذا بدلت بدين يحل نكاح أهله فهي حلال وهذا عندي أشبه وقال ابن عباس " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " (قال المزني) فمن دان منهم دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان وبعده سواء عندي في القياس وبالله التوفيق.
باب نقض العهد (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا نقض الذين عقدوا الصلح عليهم أو جماعة منهم فلم يخالفوا الناقض بقول أو فعل ظاهر أو اعتزال بلادهم أو يرسلون إلى الإمام أنهم على صلحهم فللإمام غزوهم وقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وغنيمة أموالهم وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ببني قريظة عقد عليهم صاحبهم فنقض ولم يفارقوه وليس كلهم أشرك في المعونة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولكن كلهم لزم حصنه فلم يفارق الناقض إلا نفر منهم وأعان على خزاعة وهم في عقد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من قريش فشهدوا قتالهم فغزا النبي صلى الله عليه وسلم قريشا عام الفتح بغدر ثلاثة تقر منهم وتركهم معونة خزاعة وإيوائهم من قاتلها قال ومتى ظهر من مهادنين ما يدل على خيانتهم نبذ إليهم عهدهم وأبلغهم مأمنهم ثم هم حرب قال الله تعالى " وإما تخافن من قوم خيانة " الآية.
باب الحكم في المهادنين والمعاهدين وما أتلف من خمرهم وخنازيرهم وما يحل منه وما يرد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل المدينة وادع يهود كافة على غير جزية وأن قول الله عز وجل " فإن جاءوك فحكم بينهم أو أعرض عنهم " إنما نزلت فيهم ولم يقروا أن يجرى عليهم الحكم وقال بعضهم نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وهذا أشبه بقول الله عز وجل " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة " الآية (قال) وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجرى عليهم الحكم إذا جاءوه في حد لله تعالى وعليه أن يقيمه لما وصفت من قول الله تعالى " وهم صاغرون " (قال المزني) رحمه الله هذا أشبه من قوله في كتاب الحدود لا يحدون وأرفعهم إلى أهل دينهم (قال الشافعي) رحمه الله: وما كانوا يدينون به فلا يجوز حكمنا عليهم بإبطاله وما أحدثوا مما ليس بجائز في دينهم وله حكم عندنا أمضى عليهم قال ولا يكشفون عن شئ مما استحلوه مما لم يكن ضررا على مسلم أو معاهد أو مستأمن غيرهم وإن جاءت امرأة رجل منهم تستعدى بأنه طلقها أو آلى منها حكمت عليه حكمي على المسلمين وأمرته في الظهار أن لا يقربها حتى يكفر رقبة مؤمنة كما يؤدى الواجب من حد وجرح وأرش وإن لم يكفر عنه وأنفذ عتقه ولا أفسخ نكاحه لأن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن عقد ما يجوز أن يستأنف ورد ما جاوز العدد إلا أن يتحاكموا وهي في عدة فنفسخه وهكذا كل ما قبض من ربا أو ثمن خمر أو خنزير ثم أسلما أو أحدهما عفى عنه ومن أراق لهم خمرا أو قتل لهم خنزيرا لم يضمن لأن ذلك حرام ولا ثمن لمحرم فإن قيل فأنت تقرهم على ذلك؟ قيل نعم وعلى الشرك بالله وقد أخبر