الحنث إذا وقع مرة لم يحنث ثانية ولو قال لعبده أنت حر إن بعتك فباعه بيعا ليس ببيع خيار فهو حر حين عقد البيع وإنما زعمته من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المتبايعين بالخيار ما لم يتفرقا، قال وتفرقهما بالأبدان فقال فكان لو أعتقه عتق فيعتق بالحنث ولو قال إن زوجتك أو بعتك فأنت حر فزوجه أو باعه بيعا فاسدا لم يحنث باب جامع الايمان الثاني (قال الشافعي) رحمه الله وإذا حلف لا يأكل الرؤوس فأكل رؤوس الحيتان أو رؤوس الطير أو رؤوس شئ يخالف رؤوس الغنم والإبل والبقر لم يحنث من قبل أن الذي يعرف الناس إذا خوطبوا بأكل الرؤوس إنما هي ما وصفنا إلا أن يكون بلاد لها صيد يكثر كما يكثر لحم الانعام في السوق وتميز رؤوسها فيحنث في رؤوسها وكذلك البيض وهو بيض الدجاج والإوز والنعام الذي يزايل بائضه حيا فأما بيض الحيتان فلا يكون هكذا ولو حلف لا يأكل لحما حنث بلحم الإبل والبقر والغنم والوحش والطير لأنه كله لحم ولا يحنث في لحم الحيتان لأنه ليس بالأغلب ولو حلف أن لا يشرب سويقا فأكله أو لا يأكل خبزا فماثه فشربه أو لا يشرب شيئا فذاقه فدخل بطنه لم يحنث ولو حلف يأكل سمنا فأكله بالخبز أو بالعصيدة أو بالسويق حنث لأن السمن لا يكون مأكولا إلا بغيره إلا أن يكون جامدا فيقدر على أن يأكله جامدا مفردا وإذا حلف لا يأكل هذه التمرة فوقعت في تمر فإن أكله إلا تمرة أو هلكت منه تمرة لم يحنث حتى يستيقن أنه أكلها والورع أن يحنث نفسه وإذا حلف أن لا يأكل هذ الحنطة فطحنها أو خبزها أو قلاها فجعلها سويقا لم يحنث لأنه لم يأكل ما وقع عليه اسم قمح ولو حلف لا يأكل لحما فأكل شحما ولا شحما فأكل لحما أو رطبا فأكل تمرا أو تمرا فأكل رطبا أو زبدا فأكل لبنا لم يحنث لأن كل واحد منها غير صاحبه ولو حلف لا يكلم رجلا ثم سلم على قوم والمحلوف عليه فيهم لم يحنث إلا أن ينويه ولو كتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا فالورع أن يحنث ولا يبين ذلك لأن الرسول والكتاب غير الكلام (قال المزني) رحمه الله هذا عندي به وبالحق أولى قال الله جل ثناؤه " آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا " إلى قوله " بكرة وعشيا " فأفهمهم ما يقوم مقام الكلام ولم يتكلم وقد احتج الشافعي بأن الهجرة محرمة فوق ثلاث فلو كتب أو أرسل إليه وهو يقدر على كلامه لم يخرجه هذا من الهجرة التي يأثم بها (قال المزني) رحمه الله فلو كان الكتاب كلاما لخرج به من الهجرة فتفهم (قال الشافعي) رحمه الله ولو حلف لا يرى كذا إلا رفعه إلى قاض فرآه فلم يمكنه رفعه إليه حتى مات ذلك القاضي لم يحنث يمكنه فيفرط وإن عزل فإن كانت نيته أن يرفعه إليه إن كان قاضيا فلا يجب رفعه إليه وإن لم يكن له نية خشيت أن يحنث إن لم يرفعه إليه ولو حلف ماله مال وله عرض أو دين حنث إلا أن يكون نوى غير ذلك فلا يحنث (قال) ولو حلف ليضربن عبده مائة سوط فجمعها فضربه بها فإن كان يحيط العلم أنها ماسته كلها بر وإن أحاط أنها لم تماسه كلها لم يبر وإن شك لم يحنث في الحكم ويحنث في الورع واحتج الشافعي بقول الله عز وجل " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأثكال النخل في الزنا وهذا شئ مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته (قال المزني) رحمه الله هذا خلاف قوله لو حلف ليفعلن كذا لوقت إلا أن يشاء فلان فإن مات أو غبي عنا حتى مضى الوقت حنث (قال المزني) رحمه الله وكلاما يبر به شك فكيف يحنث في أحدهما ولا يحنث في الآخر؟ فقياس قوله عندي أن لا يحنث بالشك (قال الشافعي) ولو لم يقل ضربا شديدا فأي ضرب ضربه إياه لم يحنث لأنه ضاربه ولو حلف لا يهب له هبة فتصدق عليه أو نحله أو أعمره فهو هبة
(٢٩٦)