في قرب ما سلم بقدر ما لو أراد الجمع كان ذلك فصلا قريبا بينهما أن له الجمع لأنه لا يكون جمع الصلاتين إلا وبينهما انفصال فكذلك كل جمع وكذلك كل من سها فسلم من اثنتين فلم يطل فصل ما بينهما أنه يتم كما أتم النبي صلى الله عليه وسلم وقد فصل ولم يكن ذلك قطعا لاتصال الصلاة في الحكم فكذلك عندي إيصال جمع الصلاتين أن لا يكون التفريق بينهما إلا بمقدار مالا يطول.
باب وجوب الجمعة وغيره من أمرها (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني سلمة بن عبيد الله الخطمي عن محمد بن كعب القرظي أنه سمع رجلا من بنى وائل يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم " تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبيا أو مملوكا " (قال الشافعي) وتجب الجمعة على أهل المصر وإن كثر أهله حتى لا يسمع أكثرهم النداء لأن الجمعة تجب على أهل المصر الجامع وعلى كل من كان خارجا من المصر إذا سمع النداء وكان المنادى صيتا وكان ليس بأصم مستمعا والأصوات هادئة والريح ساكنة ولو قلنا حتى يسمع جميعهم ما كان على الأصم جمعة ولكن إذا كان لهم السبيل إلى علم النداء بمن يسمعه منهم فعليهم الجمعة لقول الله تبارك وتعالى " إذا نودي للصلاة " الآية وإن كانت قرية مجتمعة البناء والمنازل وكان أهلها لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا إلا ظعن حاجة وكان أهلها أربعين رجلا حرا بالغا غير مغلوب على عقله وجبت عليهم الجمعة واحتج بما لا يثبته أهل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة جمع بأربعين رجلا وعن عبيد الله بن عبد الله أنه قال " كل قرية فيها أربعون رجلا فعليهم الجمعة " ومثله عن عمر بن عبد العزيز (قال الشافعي) فإن خطب بهم وهم أربعون ثم انفضوا عنه ثم رجعوا مكانهم صلوا صلاة الجمعة وإن لم يعودوا حتى تباعد أحببت أن يبتدئ الخطبة فإن لم يفعل صلاها بهم ظهرا فإن انفضوا بعد إحرامه بهم ففيها قولان أحدهما إن بقي معه اثنان حتى تكون صلاته صلاة جماعة أجزأتهم الجمعة. والقول الآخر لا تجزئهم بحال حتى يكون معه أربعون يكمل بهم الصلاة (قال المزني) قلت أنا ليس لقوله إن بقي معه اثنان أجزأتهم الجمعة معنى لأنه مع الواحد والاثنين في الاستقبال في معنى المنفرد في الجمعة ولا جماعة تجب بهم الجمعة عنده أقل من الأربعين فلو جازت باثنين لأنه أحرم بالأربعين جازت بنفسه لأنه أحرم بالأربعين فليس لهذا وجه في معناه هذا والذي هو أشبه به إن كان صلى ركعة ثم انفضوا صلى أخرى منفردا كما لو أدرك معه رجل ركعة صلى أخرى منفردا ولا جمعة له إلا بهم ولا لهم إلا به فأداؤه ركعة بهم كأدائهم ركعة به عندي في القياس ومما يدل على ذلك من قوله أنه لو صلى بهم ركعة ثم أحدث بنوا وحدانا ركعة وأجزأتهم (قال الشافعي) ولو ركع مع الإمام ثم زحم فلم يقدر على السجود حتى قضى الإمام سجوده تبع الإمام إذا قام واعتد بها فإن كان ذلك في الأولى فلم يمكنه السجود حتى يركع الإمام في الثانية لم يكن له أن يسجد للركعة الأولى إلا أن يخرج من إمامته لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما سجدوا للعذر قبل ركوع الثانية فيركع معه في الثانية وتسقط الأخرى وقال في الاملاء فيها قولان: أحدهما لا يتبعه ولو ركع حتى يفرغ مما بقي عليه والقول الثاني: إن قضى ما فات لم يعتد به وتبعه فيما سواه (قال المزني) قلت أنا الأول عندي أشبه بقوله قياسا على أن السجود إنما يحسب له إذا جاء والإمام يصلى بإدراك الركوع ويسقط بسقوط إدراك الركوع وقد قال إن سها عن ركعة ركع الثانية معه ثم قضى التي سها عنها وفي هذا من قوله لاحد قوليه دليل وبالله التوفيق (قال الشافعي) وإن أحدث في صلاة الجمعة فتقدم رجل بأمره أو بغير أمره وقد كان دخل مع الإمام قبل حدثه فإنه يصلى بهم ركعتين وإن لم يكن أدرك معه التكبيرة صلاها ظهرا لأنه صار مبتدئا (قال المزني) قلت أنا يشبه أن يكون هذا إذا كان إحرامه بعد حدث الإمام.