والذئب تحريما له بالتقذر وكان الفرق بين ذوات الأنياب أن ما عدا منها على الناس لقوته بنابه حرام وما لم يعد عليهم بنابه الضبع والثعلب وما أشبههما حلال وكذلك تترك أكل النسر والبازي والصقر والشاهين وهي مما يعدو على حمام الناس وطائرهم وكانت تترك مما لا يعدو من الطائر الغراب أو الحدأة والرخمة والبغاثة وكذلك تترك اللحكاء والعظاء والخنافس فكانت داخلة في معنى الخبائث وخارجة من معنى الطيبات فوافقت السنة فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب ما وصفت فانظر ما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل فإن كانت العرب تأكله فهو داخل في جملة الحلال والطيبات عندهم لأنهم كانوا يحللون ما يستطيبون وما لم يكونوا يأكلونه باستقذاره فهو داخل في معنى الخبائث ولا بأس بأكل الضب وضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعافه فقيل أحرام هو يا رسول الله؟ قال " لا ولكن لم ين بأرض قومي " فأكل منه بين يديه وهو ينظر إليه ولو كان حراما ما تركه وأكله.
باب كسب الحجام (قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس بكسب الحجام فإن قيل فما معنى نهى النبي صلى الله عليه وسلم السائل عن كسبه وإرخاصه في أن يطعمه رقيقه وناضحه؟ قيل لا معنى له إلا واحد وهو أن المكاسب حسنا ودنيئا فكان كسب الحجام دنيئا فأحب له تنزيه نفسه عن الدناءة لكثرة المكاسب التي هي أجمل منه فلما زاده فيه أمره أن يعلفه ناضحة ويطعمه رقيقه تنزيها له لا تحريما عليه وقد حجم أبو طيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه ولو كان حراما لم يعطه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعطى إلا ما يحل إعطاؤه ولآخذه ملكه وقد روى أن رجلا ذا قرابة لعثمان قدم عليه فسأله عن معاشه فذكر له غلة حجام أو حجامين فقال إن كسبكم لوسخ أو قال لدنس أو لدنئ أو كلمة تشبهها.
باب ما لا يحل أكله وما يجوز للمضطر من الميتة من غير كتاب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يحل أكل زيت ماتت فيه فأرة ولا بيعه ويستصبح به فإن قيل كيف ينتفع به ولا يبيعه؟ قيل قد ينتفع المضطر بالميتة ولا يبيعها وينتفع بالطعام في دار الحرب ولا يبيعه في تلك الحال قال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وأباح الانتفاع به في بعض الأحوال فغير مستنكر أن ينتفع الرجل بالزيت ولا يبيعه في هذه الحال قال ولا يحل من الميتة إلا إهابها بالدباغ ويباع ولا يأكل المضطر من الميتة إلا ما يرد نفسه فيخرج به من الاضطرار (قال) في كتاب اختلاف أبي حنيفة وأهل المدينة بهذا أقول (وقال) فيه وما هو بالبين من قبل أن الشئ حلال وحرام فإذا كان حراما لم يحل منه شئ وإذا كان حلالا فقد يحتمل أن لا يحرم منه شبع ولا غيزه لأنه مأذون له فيه (قال المزني) رحمه الله قوله الأول أشبه بأصله لأنه يقول إذا حرم الله عز وجل شيئا فهو محرم إلا ما أباح منه بصفة فإذا زالت الصفة زالت الإباحة (قال المزني) ولا خلاف أعلمه أن ليس له أن يأكل من الميتة وهو بادي الشبع لأنه ليس بمضطر فإذا كان خائفا على نفسه فمضطر فإذا أكل منها بالذهب الخوف فقد أمن فارتفع الاضطرار الذي هو علة الإباحة (قال المزني) رحمه الله وإذا ارتفعت العلة ارتفع حكمها ورجع الحكم كما كان قبل الاضطرار وهو تحريم الله عز وجل