ذلك دفعا عن أنفسهم وإن غلبوا على بلاد فأخذوا صدقات أهلها وأقاموا عليهم الحدود لم تعد عليهم ولا يرد من قضاء قاضيهم إلا ما يرد من قضاء قاضى غيرهم (وقال في موضع آخر) إذا كان غير مأمون برأيه على استحلال دم ومال لم ينفذ حكمه ولم يقبل كتابه (قال) ولو شهد منهم عدل قبلت شهادته ما لم يكن يرى أن يشهد لموافقه بتصديقه فإن قتل باغ في المعترك غسل وصلى عليه ودفن وإن كان من أهل العدل ففيها قولان أحدهما أنه كالشهيد والآخر أنه كالموتى إلا من قتله المشركون (قال) وأكره للعدل أن يعمد قتل ذي رحم من أهل البغى وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كف أبا حذيفة ابن عتبة عن قتل أبيه وأبا بكر رضي الله عنه يوم أحد عن قتل ابنه وأيهما قتل أباه أو ابنه فقال بعض الناس إن قتل العادل أباه ورثه وإن قتله الباغي لم يرثه وخالفه بعض أصحابه فقال يتوارثان لأنهما متأولان وخالفه آخر فقال لا يتوارثان لأنهما قاتلان (قال الشافعي) رحمه الله: وهذا أشبه بمعنى الحديث فيرثهما غيرهما من ورثتهما ومن أريد دمه أو ماله أو حريمه فله أن يقاتل وإن أتى ذلك على نفس من أراده (قال الشافعي) رحمه الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل دون ماله فهو شهيد " (قال الشافعي) رحمه الله: فالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على جواز أمان كل مسلم من حر وامرأة وعبد قاتل أو لم يقاتل لأهل بغى أو حرب.
باب الخلاف في قتال أهل البغي (قال الشافعي) رحمه الله: قال بعض الناس إذا كانت الحرب قائمة استمتع بدوابهم وسلاحهم وإذا انقضت الحرب فذلك رد قلت أرأيت إن عارضك وإيانا معارض يستحل مال من يستحل دمه فقال الدم أعظم فإذا حل الدم حل المال هل لك من حجة إلا أن هذا في أهل الحرب الذين ترق أحرارهم وتسبى نساؤهم وذراريهم والحكم في أهل القبلة خلافهم وقد يحل دم الزاني المحصن والقاتل ولا تحل أموالهما بجنايتهما والباغي أخف حالا منهما ويقال لهما مباحا الدم مطلقا ولا يقال للباغي مباح الدم وإنما يقال يمنع من البغى إن قدر على منعه بالكلام أو كان غير ممتنع لا يقاتل لم يحل قتاله قال إني إنما آخذ سلاحهم لأنه أقوى لي وأوهن لهم ما كانوا مقاتلين فقلت له فإذا أخذت ماله وقتل فقد صار ملكه كطفل أو كبير لم يقاتلك قط أفتقوى بمال غائب غير باغ على باغ؟ فقلت له أرأيت لو وجدت لهم دنانير أو دراهم تقويك عليهم أتأخذها؟ قال لا قلت فقد تركت ما هو أقوى لك عليهم من السلاح في بعض الحالات قال فإن صاحبنا يزعم أنه لا يصلى على قتلى أهل البغى قلت ولم وهو يصلى على من قتله في حد يجب عليه قتله ولا يحل له تركه؟ والباغي محرم قتله موليا وراجعا عن البغى ولو ترك الصلاة على أحدهما دون الآخر كان من لا يحفل إلا قتله بترك الصلاة أولى (قال) كأنه ذهب إلى أن ذلك عقوبة لينكل بها غيره قلت وإن كان ذلك جائزا فأصلبه أو حرقه أو حز رأسه وابعث به فهو أشد في العقوبة قال لا أفعل به شيئا من هذا قلت له هل يبالي من يقاتلك على أنك كافر لا يصلى عليك وصلاتك لا تقربه إلى ربه؟ وقلت له أيمنع الباغي أن تجوز شهادته أو يناكح أو شيئا مما يجرى لأهل الاسلام؟ قال لا قلت فكيف منعته الصلاة وحدها؟
(قال الشافعي) ويجوز أمان الرجل والمرأة المسلمين لأهل الحرب والبغي فأما العبد المسلم فإن كان يقاتل جاز أمانه وإلا لم يجز قلت فما الفرق بينه يقاتل أو لا يقاتل؟ قال قول النبي صلى الله عليه وسلم " المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم " قلت فإن قلت ذلك على الأحرار فقد أجزت أمان عبد وإن