باب الكفالة (قال المزني) قال الله جل ثناؤه " قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم " وقال عز وجل " سلهم أيهم بذلك زعيم " وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " والزعيم غارم " والزعيم في اللغة هو الكفيل وروى عن أبي سعيد الخدري أنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وسلم " هل على صاحبكم من دين؟ " فقالوا نعم درهمان قال " صلوا على صاحبكم " فقال على رضوان الله عليه هما على يا رسول الله وأنا لهما ضامن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم أقبل على علي رضي الله عنه فقال " جزاك الله عن الاسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك " (قال المزني) قلت أنا وفي ذلك دليل أن الدين الذي كان على الميت لزم غيره بأن ضمنه وروى الشافعي في قسم الصدقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تحل الصدقة لغنى إلا لثلاثة " ذكر منها رجلا تحمل بحمالة فحلت الصدقة (قلت أنا) فكانت الصدقة محرمة قبل الحمالة فلما تحمل لزمه الغرم بالحمالة فخرج من معناه الأول إلى أن حلت له الصدقة (قال الشافعي) وإذا ضمن رجل عن رجل حقا فللمضمون له أن يأخذ أيهما شاء فإن ضمن بأمره وغرم رجع بذلك عليه وإن تطوع بالضمان لم يرجع (قال المزني) قلت أنا وكذلك كل ضامن في دين وكفالة بدين وأجرة ومهر وضمان عهدة وأرش جرح ودية نفس فإن أدى ذلك الضامن عن المضمون عنه بأمره رجع به عليه وإن أداه بغير أمره كان متطوعا لا يرجع به فإن أخذ الضامن بالحق وكان ضمانه بأمر الذي هو عليه فله أخذه بخلاصه وإن كان بغير أمره لم يكن له أخذه في قياس قوله ولو ضمن عن الأول بأمره ضامن ثم ضمن عن الضامن ضامن بأمره فجائز فإن قبض الطالب حقه من الذي عليه أصل المال أو أحاله به برءوا جميعا ولو قبضه من الضامن الأول رجع به على الذي عليه الأصل وبرئ منه الضامن الآخر وإن قبضه من الضامن الثاني رجع به على الضامن الأول ورجع به الأول على الذي عليه الأصل ولو كانت المسألة بحالها فأبرأ الطالب الضامنين جميعا برئا ولا يبرأ الذي عليه الأصل لأن الضمان عند الشافعي ليس بحوالة ولكن الحق على أصله والضامن مأخوذ به (قال المزني) قلت أنا ولو كان له على رجلين ألف درهم وكل واحد منهما كفيل ضامن عن صاحبه يأمره فدفعها أحدهما رجع بنصفها على صاحبه وإن أبرأ الطالب أحدهما من الألف سقط عنه نصفها الذي عليه وبرئ من ضمان نصفها الذي على صاحبه ولم يبرأ صاحبها من نصفها الذي عليه ولو أقام الرجل بينة أنه باع من هذا الرجل ومن رجل غائب عبدا وقبضاه منه بألف درهم وكل واحد منهما كفيل ضامن لذلك على صاحبه بأمره قضى عليه وعلى الغائب بذلك وغرم الحاضر جميع الثمن ورجع بالنصف على الغائب (قال المزني) قلت أنا وهذا مما يجامعنا عليه من أنكر القضاء على غائب ولو ضمن عن رجل بأمره ألف درهم عليه لرجل فدفعها بمحضره ثم أنكر الطالب أن يكون قبض شيئا حلف وبرئ وقضى على الذي عليه الدين بدفع الألف إلى الطالب ويدفع ألفا إلى الضامن لأنه دفعها بأمره وصارت له دينا عليه فلا يذهب حقه ظلم الطالب له ولو أن الطالب طلب الضامن فقال لم تدفع إلى شيئا قضى عليه بدفعها ثانية ولم يرجع على الآمر إلا بالألف التي ضمنها عنه لأنه يقر أن الثانية ظلم من الطالب له فلا يرجع على غير من ظلمه ولو ضمن لرجل ما قضى به له على آخر أو ما شهد به فلان عليه (قال الشافعي) لا يجوز هذا وهذه مخاطرة وقال الشافعي ولو ضمن دين ميت بعد ما يعرفه ويعرف لمن هو فالضمان لازم ترك الميت شيئا أو لم يتركه ولا تجوز كفالة العبد المأذون له بالتجارة لأن هذا استهلاك ولو ضمن عن مكاتب أو مالا في يدي وصى أو مقارض وضمن ذلك أحد منهم عن نفسه فالضمان في ذلك كله باطل وضمان المرأة كالرجل
(١٠٨)