* كتاب الحج * (قال الشافعي) فرض الله تبارك وتعالى الحج على كل حر بالغ استطاع إليه سبيلا بدلالة الكتاب والسنة ومن حج مرة واحدة في دهره فليس عليه غيرها (قال الشافعي) والاستطاعة وجهان أحدهما أن يكون مستطيعا ببدنه واحدا من ماله ما يبلغه الحج بزاد وراحلة لأنه قيل يا رسول الله ما الاستطاعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " زاد وراحلة " والوجه الآخر أن يكون معضوبا في بدنه لا يقدر أن يثبت على مركب بحال وهو قادر على من يطيعه إذا أمره أن يحج عنه بطاعته له أو من يستأجره فيكون هذا ممن لزمه فرض الحج كما قدر ومعروف من لسان العرب أن يقول الرجل أنا مستطيع لأن أبنى داري أو أخيط ثوبي يعنى بالإجارة أو بمن يطيعني وروى عن ابن عباس أن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلته فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " نعم " فقالت يا رسول الله فهل ينفعه ذلك؟ فقال " نعم كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه " (قال الشافعي) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم قضاءها الحج عنه كقضائها الدين عنه فلا شئ أولى أن يجمع بينه مما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينه وروى عن عطاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن كنت حججت فلب عنه وإلا فاحجج " وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لشيخ كبير لم يحج إن شئت فجهز رجلا يحج عنك.
باب الاستطاعة بالغير (قال الشافعي) وإذا استطاع الرجل فأمكنه مسير الناس من بلده فقد لزمه الحج فإن مات قضى عنه وإن لم يمكنه لبعد داره ودنو الحج منه ولم يعش حتى يمكنه من قابل لم يلزمه وإن كان عام جدب أو عطش ولم يقدر على ما لابد له منه أو كان خوف عدو أشبه أن يكون غير واجد للسبيل لم يلزمه ولم يبن علي أن أوجب عليه ركوب البحر للحج إذا قدر عليه وروى عن عطاء وطاوس أنهما قالا الحجة الواجبة من رأس المال وهو القياس (قال الشافعي) فليستأجر عنه في الحج والعمرة بأقل ما يؤجر من ميقاته ولا يحج عنه إلا من قد أدى الفرض مرة فإن لم يكن حج فهي عنه ولا أجرة له وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا يلبى عن فلان فقال له " إن كنت حججت فلب عنه وإلا فاحجج عن نفسك " وعن ابن عباس أنه سمع رجلا يقول " لبيك عن شبرمة " فقال: ويحك! " ومن شبرمة؟ " فأخبره فقال " احجج عن نفسك ثم حج عن شبرمة " (قال) وكذلك لو أحرم متطوعا وعليه حج كان فرضه أو عمرة كانت فرضه.
باب بيان وقت فرض الحج وكونه على التراخي (قال الشافعي) أنزلت فريضة الحج بعد الهجرة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحج وتخلف صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد منصرفه من تبوك لا محاربا ولا مشغولا بشئ وتخلف أكثر المسلمين قادرين على الحج وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان كمن ترك الصلاة حتى يخرج وقتها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرض ولا ترك المتخلفون عنه ولم يحج صلى الله عليه وسلم بعد فرض الحج إلا حجة الاسلام وهي حجة الوداع