كتاب أدب القاضي (قال الشافعي) أحب أن يقضى القاضي في موضع بارز للناس لا يكون دونه حجاب وأن يكون في غير المسجد لكثرة الغاشية والمشاتمة بين الخصوم في أرفق الأماكن به وأحراها أن لا تسرع ملالته فيه وأنا لإقامة الحد في المسجد أكره (قال الشافعي) ومعقول في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحكم الحاكم ولا يقضى القاضي بين اثنين وهو غضبان " أنه أراد أن يكون القاضي حين يحكم في حال لا يتغير فيها خلقه ولا عقله والحاكم أعلم بنفسه فأي حال أتت عليه تغير فيها عقله أو خلقه انبغى له أن لا يقضى حتى يذهب وأي حال صار إليه فيها سكون الطبيعة واجتماع العقل حكم وإن غيره مرض أو حزن أو فرح أو جوع أو نعاس أو ملالة ترك وأكره له البيع والشراء خوف المحاباة بالزيادة ويتولاه له غيره (قال) ولا أحب أن يتخلف عن الوليمة إما أن يجيب كلا وإما أن يترك كلا ويتعذر ويسألهم التحليل ويعود المرضى ويشهد الجنائز ويأتي مقدم الغائب وإذا بان له من أحد الخصمين لدد نهاه فإن عاد زجره ولا يحبسه ولا يضربه إلا أن يكون في ذلك ما يستوجبه ويشاور قال الله عز وجل " وأمرهم شورى بينهم " وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم " وشاورهم في الامر " قال الحسن إن كان النبي صلى الله عليه وسلم عن مشاورتهم لغنيا ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده ولا يشاور إذا نزل به المشكل إلا عالما بالكتاب والسنة والآثار وأقاويل الناس والقياس ولسان العرب ولا يقبل وإن كان أعلم منه حتى يعلم كعلمه أن ذلك لازم له من حيث لم تختلف الرواية فيه أو بدلالة عليه أو أنه لا يحتمل وجها أظهر منه (قال الشافعي) رحمه الله: فأما أن يقلده فلم يجعل الله ذلك لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويجمع المختلفين لأنه أشد لتقصيه وليكشف بعضهم على بعض وإن لم يكن في عقله ما إذا عقل القياس عقله وإذا سمع الاختلاف ميزه فلا ينبغي أن يقضى ولا لاحد أن يستقضيه ولا يجوز له أن يستحسن بغير قياس ولو جاز ذلك لجاز أن يشرع في الدين والقياس قياسان أحدهما أن يكون في معنى الأصل فذلك الذي لا يحل لاحد خلافه والآخر أن يشبه الشئ الشئ من أصل ويشبه الشئ من أصل غيره فيشبهه هذا بهذا الأصل ويشبهه الآخر بأصل غيره وموضع الصواب في ذلك عندنا أن ينظر فإن أشبهه أحدهما في خصلتين والآخر في خصلة ألحقه بالذي أشبهه في الخصلتين قال الله عز وجل في داود وسليمان " ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما " قال الحسن لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا لصوابه وأثنى على هذا باجتهاده وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " (قال الشافعي) فأخبره أنه يثاب على أحدهما أكثر مما يثاب على الآخر فلا يكون الثواب فيما لا يسع ولا في الخطأ الموضوع (قال المزني) رحمه الله: أنا أعرف أن الشافعي قال لا يؤجر على الخطأ وإنما يؤجر على قصد الصواب وهذا عندي هو الحق (قال الشافعي) رحمه الله: من اجتهد من الحكام فقضى باجتهاده ثم رأى أن اجتهاده خطأ أو ورد على قاض غيره فسواء فما خالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو ما في معنى هذا رده وإن كان يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده وحكم فيما استأنف بالذي هو الصواب عنده وليس على القاضي أن يتعقب حكم من قبله وإن تظلم محكوم عليه ممن قبله نظر فيه فرده أو أنفذه على ما وصفت. وإذا تحاكم إليه أعجمي لا يعرف لسانه لم تقبل الترجمة عند إلا بعدلين يعرفان لسانه وإذا شهد الشهود عند القاضي كتب حلية
(٢٩٩)