إذا اختار المجني عليه أن يأخذ قود الإصبع فأخذه، كان له المطالبة بدية ما بقي في الحال، وليس عليه أن يصبر حتى ينظر ما يكون من الكف بعد القطع، لأن القصاص وجب في إصبعه ودية الباقي واجبة في ذمته لا يؤثر فيها اندمال القصاص ولا سرايته إلى الكف ولا إلى النفس، فإذا لم يؤثر فيما عليه من الدية فلا معنى لتأخير استيفاء دية ما بقي، ولو قطع يده فسرى إلى نفسه كان للولي قطع يد الجاني، فلو أراد أخذ الدية فيما بقي لم يكن له.
والفصل بينهما أن هذا القصاص لو سرى إلى نفس الجاني، فقد استوفى حقه فلهذا صبرنا بعد القطع لننظر ما يكون فيه، وليس كذلك هاهنا، لأن هذا القصاص لو سرى إلى الكف كان هدرا، وهكذا قلنا لو أوضحه فذهب ضوء عينه، كان فيها القصاص، فلو اقتص المجني عليه من الموضحة لم يكن له أخذ دية العين لننظر ما يكون من السراية، لأنها لو سرت إلى ضوء العين فقد استوفى حقه، فلهذا انتظرناه وأمهلنا.
فقد ثبت أن القصاص فيما باشر قطعه ثابت بلا شك، وإنما الكلام في أخذ الدية فيما بعد القصاص، فإن كانت سراية الجاني إلى ما لا يستحق أخذه قودا، فله أخذ الدية في الحال، وإن كانت إلى ما يستحق أخذه قودا بالسراية إلى ضوء العين، لم يكن له أخذ الدية قبل أن ينظر ما يكون من حديث هذا القصاص.
ومن لم يثبت له القصاص في الإصبع إذا سرى إلى الكف، اختلفوا في الموضحة إذا سرت إلى ضوء العين، فقال بعضهم: لا قصاص في الموضحة مثل الإصبع سواء، وقال قوم منهم: لا يسقط القصاص في الموضحة بالسراية إلى ضوء العين، وهو الأقوى للآية.
إذا قطع يد رجل كان للمجني عليه أن يقتص من الجاني في الحال، والدم حار، لكن يستحب له أن يصبر لينظر ما يكون فيها من اندمال أو سراية، وفيه خلاف، ويقتضي مذهبنا التوقف لأنه إن سرى إلى نفس دخل قصاص الطرف في النفس عندنا على ما بيناه.