وإن لم يكن في بيت المال مال أو كان هناك ما هو أهم منه قال الحاكم لمن ثبت له الحق: إن اخترت أن تأتي بكاغذ أكتب فيه المحضر أو السجل والشهادة فافعل ولا أكرهك عليه لأنه وثيقة لك، فإن أراد ذلك كان الكاغذ على من له الحجة من المدعي والمدعى عليه، كما قلنا في كتاب الشراء يكون على المشتري لأنه حجته على البائع، فكان عليه دون البائع كذلك هاهنا.
[القضاء على الغائب] إذا حضر رجل عند الحاكم فادعى على غائب حقا سمع الحاكم دعواه لجواز صدقه في ما يدعيه، كما لو كان حاضرا، فإن أقام البينة بما يدعيه سمعها الحاكم، فإن سمعها لم يخل المدعي من أحد أمرين: إما أن يسأله القضاء بما ثبت عنده أو لا يسأله.
فإن لم يسأله وقال: قد اقتصرت على هذا القدر اكتب به إلى حاكم البلد الذي فيه الغائب كتابا، كتب له، فإن عرف عدالتهما كتب بعدالتهما، وإن لم يعرف كتب وقال: حضرني فلان بن فلان فادعى على فلان بن فلان كذا وكذا، وأقام به شاهدين فلانا وفلانا، ليكون المكتوب إليه هو الباحث عن عدالتهما فيفعل هذا كل ذلك بلا خلاف.
وأما إن سأله أن يقضي له على هذا الغائب بما ثبت عنده أجابه إلى ذلك بعد أن يستحلفه عن حقه الذي شهد الشاهدان أنه ثابت إلى وقتنا هذا، فإذا حلف حكم عليه وكتب به كتابا، وهكذا قولهم في القضاء على الصبي والمجنون والميت الكل واحد، لأن كل واحد لا يعبر عن نفسه، فلو كان الغائب حاضرا أكثر ما يفعله أن يدعي ما يسقط الحق وقد استحلفناه له أن حقه باق، وهكذا لو لم يكن غائبا لكنه هرب من مجلس الحكم، فإنه يحكم عليه لأنه غير مقدور عليه كالغائب.
فأما إن كان حاضرا في مجلس الحكم فليس له أن يقضي عليه بغير علمه، لأنه إذا ادعى عليه يقدر أن يسأله عن الجواب، فإن أقام البينة يمكن الجرح المطلق فيقف