فإن لم يجد متطوعا كان له أن يولي القاضي ويرزقه من بيت المال.
وروي أن عليا عليه السلام ولى شريحا وجعل له كل سنة خمسمائة درهم، وكان عمر قبله قد جعل له كل شهر مائة درهم.
وروي أن الصحابة أجروا لأبي بكر كل يوم درهمين، وروي كل يوم شاتين شاة بالغداة وشاة بالعشي، وألف درهم في كل سنة، فلما ولى عمر قال: لا يكفيني ذلك، فأضعفوه له فجعلوا له في كل يوم أربع شياه وفي كل سنة ألفي درهم.
فعلى هذا يجوز للقاضي والقاسم وكاتب القاضي وصاحب الديوان وصاحب بيت المال والمؤذنين أن يأخذوا رزقا من بيت المال وإن فعلوا ذلك احتسابا كان أفضل وأفضل، من ترك ذلك المؤذن.
ويجوز أن يأخذ الجعل من يكيل للناس ويزن لهم ويعلمهم القرآن والنحو وما يتأدبون به من الشعر، وما ليس فيه مكروه، وأما ما يجوز أن يستأجر عليه وما لا يجوز فقد ذكرناه في غير موضع.
وجملته أن كل عمل جاز أن يفعله الغير عن الغير تبرعا جاز أن يفعله بعقد إجارة كالخياطة والبناء، وكل عمل لا يفعله الغير عن الغير وإذا فعله عن نفسه عاد نفعه إلى الغير جاز أخذ الرزق عليه دون الأجرة كالقضاء والخلافة والإمامة والإقامة والأذان والجهاد، وقالوا: لا يجوز أخذ الأجرة عليه، وأجاز أصحابنا ذلك، وأجاز قوم أخذ الأجرة على القضاء وهو فاسد عندنا.
وكل ما لا يفعله الغير عن الغير وإذا فعله عن نفسه لم يعد نفعه إلى الغير لم يجز أخذ الأجرة عليه ولا أخذ الرزق كالصلوات المفروضات والتطوع وكذلك الصيام.
فإذا ثبت أنه يأخذ الرزق فإنه يأخذه من بيت المال لأنه معد للمصالح، وهذا منها، ويجعل له مع الرزق شيئا لقراطيسه التي يكتب فيها المحاضر والسجلات، لأن ذلك من المصالح، وفيه فوائد يحفظ به الوثائق ويتذكر به الشاهد شهادته، والحاكم حكمه، ويرجع بالدرك على من يرجع بالدرك عليه.